جاءت لافتة زيارة وزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين لأوكرانيا بصفته أول مسؤول يزورها علناً منذ اندلاع حربها قبل عام كامل، ما أثار تقديرات بشأن إمكانية استجابة إسرائيلية بشكل أكبر للطلبات الغربية لمساعدة المجهود الحربي، وفي الوقت ذاته منع نقل الأسلحة الفتاكة إليها خشية الغضب الروسي، ما قد يؤثر في استمرارية العدوان المتواصل على سوريا.
مع أن بدء عمل حكومة نتنياهو أوائل العام الجديد أدى لزيادة التوقعات الدولية بتغيير موقفها من حرب أوكرانيا، وبينما يقوم الغرب بتحطيم "السقوف الزجاجية" فيما يتعلق بنطاق الأسلحة الفتاكة الموردة إليها، فإنه يواصل ضغوطه على تل أبيب للحصول على مزيد منها، ما يوقع الحكومة أمام تحديات ليست سهلة قد يدفعها لتغيير نقطة التوازن بين روسيا والغرب، مع مراعاة الحذر، ووجود توجه لم يعد سرّياً بإمكانية إجراء تغيير ما في سياستها.
صحيح أن السياسة الإسرائيلية تجاه الحرب في شرق أوروبا المسماة في تل أبيب "الجلوس على السياج" التي سادت خلال فترة ولاية نفتالي بينيت ويائير لابيد، يزعمان أنها حققت إنجازات ما، ولو لم تكن كبيرة، لكنها حافظة على ما يعدونها حرية العمل العسكرية في أجواء سوريا، لكن في ظل الحكومة الحالية من الأهمية بمكان النظر فيما إذا كان حاجة إسرائيلية لتغيير هذه السياسة، والتخلي التدريجي عن السياسة السابقة.
في الوقت ذاته لا يتردد الاحتلال في الاعتراف بأن لديه مصلحة في تجنب الأزمات الكبيرة مع روسيا، لأنه بعد مرور عام على حرب أوكرانيا، من الواضح أنها لن تختفي كلاعب مؤثر في الشرق الأوسط، على العكس من ذلك، فإنها ستتقوى أكثر فأكثر في علاقاتها مع إيران وتركيا ودول الخليج، كما لا تنوي سحب قواتها من سوريا، رغم أن نظرة شاملة لسياستها الخارجية تظهر أن العديد ممن كانوا شركاءها باتوا يتحدونها بسبب سياستها التدميرية في أوكرانيا، لكنها تبدو مجبرة على الاستمرار فيها.
مع العلم أن دولة الاحتلال التي تبدي "تمنّعاً" في استجابتها للمطالب الغربية بالتورط الكامل في الحرب الأوكرانية، تعد نفسها ليست عضوًا في أي تحالف عسكري رسمي، بل تسعى لتحقيق مصالحها وحدها، فضلا عن كون الصراعات المتفجرة المتعددة، وحالة عدم الاستقرار المستمر في ساحتها الداخلية يجبرها على تجنب فتح نزاعات جديدة في الخارج، خاصة مع قوة عظمى مثل روسيا.
هذا لا ينفي وجود العديد من الاعتبارات المتراكمة لتغيير السياسة الحالية، أولها حاجة الاحتلال لدعم الغرب بالتزامن مع زحف إيران نحو العتبة النووية، وثانيها تفاقم الخلافات الإسرائيلية الغربية حول التغييرات القانونية الداخلية، والاستيطان، وخطر الانفجار مع الفلسطينيين، وثالثها إضرار سياسة "الجلوس على السياج" بالعلامة التجارية للاحتلال في العالم بظهوره دولة تخشى روسيا!