فلسطين أون لاين

تقرير النحت على الزيتون.. صناعة حرفية تستعين بالآلة لتضمن بقاءها

...
الخليل-غزة/ مريم الشوبكي:

على منشار آلي، يقص يحيى ادريس قطعًا كبيرة من أخشاب الزيتون التي جمعها خلال موسم الزيتون الماضي وتركها لتجف في زاوية من معمله وسط مدينة الخليل.

يصنع ادريس الذي لا يفضل وصف نفسه بالنحات العديد من الأشكال الفنية والمجسمات التي ترمز إلى المقدسات الإسلامية والمسيحية وتعبر عن الثقافة الفلسطينية، كخريطة فلسطين وقبة الصخرة والمسجد الأقصى، وأشكال أخرى يطلبها الزبائن.

يستخدم ادريس العديد من الأدوات للحصول على الأشكال الفنية التي دأب على صناعتها منذ سنوات، منها ما هو آلي والآخر يدوي كالأزاميل المشقوقة والنصف دائرية والمستقيمة، والسكاكين والمطارق.

ويقول: إن معظم زبائنه من المغتربين الفلسطينيين والسياح الذين يحبون اقتناء الأعمال الخشبية اليدوية أو من المتضامنين مع القضية الفلسطينية.

وتعد أشجار الزيتون رمزًا وطنيًّا وأيقونة الصمود للشعب الفلسطيني، وتحظى زراعتها باهتمام واسع من الفلسطينيين لارتباط هذه الأشجار المعمرة بتاريخ فلسطين القديم الذي عاشته الأجيال.

ويلفت ادريس إلى أن خشب شجر الزيتون يعد من أكثر الأخشاب طواعية للنحت لما يمتاز به من ليونة بسبب احتوائه على الزيت وألوان متدرجة من الفاتح إلى الغامق حسب عمر الشجرة.

ويبين أنه كلما كان عمر الشجرة أطول كانت الألوان زاهية ومناسبة أكثر للأشغال ذات التفاصيل الدقيقة. 

ويجتهد ادريس في تعليم ابنه ونقل أصول المهنة التراثية إليه، معتقدًا أن حرفة النحت والحفر على خشب الزيتون بدأت في الاندثار، ولا يجيدها إلا قلة من الفلسطينيين في المدن المختلفة.

ويعد معمل ادريس، الوحيد في الخليل الذي يقوم على الصناعات التراثية الخشبية، وللديمومة والاستمرار أدخل على عملية آلات حديثة كماكينة الليزر لقص الأخشاب بالشكل المطلوب خاصة تلك التي تحتوي على تفاصيل معقدة لا تقدر عليها وسائل النحت اليدوية.

ويمضي إلى القول إنه ولقلة الأيدي العاملة، "اضطرت إلى الاستعانة بالتقنيات الحديثة التي تعطي عملًا أدق وأسرع، وإنتاجية أعلى".

ويؤكد أنه لا يزال يحافظ على استخدام الأدوات اليدوية القديمة في الحفر والنقش كالأزاميل التي لا يمكنه الاستغناء عنها ولا يمكن أن تحل محل الأدوات الحديثة.

حرفة قديمة

ويوضح ادريس أن حرفة النحت على خشب الزيتون موجودة في فلسطين منذ ما يزيد على 300 سنة، واحترفها والده في خمسينيات القرن الماضي حيث كان يصنع الهدايا للحجاج كقبة الصخرة، والجمال، واللوحات.

وواصل والد ادريس العمل بهذه الحرفة لأكثر من 50 عامًا، "وقد علمني وإخوتي أصولها، ولكني الوحيد الذي امتهنتها، والوحيد حاليًّا الذي يقوم بالنحت والحفر على شجر الزيتون في الخليل".

ويشير إلى أن والده امتهن حرفة النحت لأن الخليل كانت تشتهر بالسياحة، ويؤمها السياح من كل مكان ويقصدون معمله لاقتنائها.

ولكن مع بداية الانتفاضة الأولى التي اندلعت عام 1987، تضررت السياحة في مدينة الخليل وتكاد تكون قد توقفت، لذا اتجه والد يحيى نحو تصنيع الأدوات التي تستخدم في الطهي والمنزل وتسويقها للمجتمع المحلي كقوالب الكعك، والمعالق الخشبية، والصحون.

وفي عمر الخامسة عشر، تعلم ادريس أصول المهنة من والده في مشغله بالبلدة القديمة والذي لا يزال يحافظ عليه حتى يومنا هذا رغم التضييقيات الإسرائيلية والإغلاقات المتكررة للمدينة إلا أنه لم يترك هذه الحرفة ولا يزال متمسكًا بها منذ أكثر من 40 عامًا.

ويبين أن ابنه يوسف يحب الأعمال الخشبية التي يصنعها وأبدى رغبة في التعلم، "سررت بذلك لأن هذه الحرفة تحتاج إلى صبر في تعلم أصولها. أعلمه خوفًا عليها من الاندثار، ولإحياء للصناعات الحرفية التراثية التي أصبح عدد العاملين بها قليل للغاية، وتعاني من قلة الأيدي العاملة، وبعضها لم تعد موجودة".

ويعود تاريخ استخدام خشب الزيتون في الصناعات التقليدية إلى القرن السادس عشر، حيث ظهرت مع قدوم البعثات التنصيرية إلى الأراضي المقدسة، وبدأت بصناعة المسابح عندما حاول الرهبان الفرانسيسكان تشكيلها من بذور الزيتون، وتطورت هذه الصناعة إلى إنتاج أشكال دينية تسوق للسياح المسيحيين في منطقة بيت لحم.

تكلفة إنتاجية عالية

ويجد ادريس صعوبة تسويق منتجاته إلى الخارج، "الوضع ليس كما في السابق، فالرسوم المفروضة عالية، وهناك منافسة كبيرة مع المنتجات المستوردة للمحلية سيما في أسعارها الرخيصة.

وينبه إدريس أنه لا يمكن للصناعات المحلية أن تنافس المستورد في الأسعار، لقلة الأيدي العاملة، وتكاليف مصنعيتها العالية.

ولإنعاش حرفة الحفر والنقش على خشب الزيتون، يطالب بإدراجها كمنهاج في الجامعات، والمعاهد المهنية، لتعلميها لأكبر شريحة من الناس، من أجل المحافظة عليها وإعادة احيائها من جديد، ولا يقتصر أمر على هذه الصناعة، بل جميع الصناعات التقليدية الأخرى التي اندثر بعضها.

وينبه إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحاول سرقة هذه الحرف ونسبها إليه على أن من تاريخهم، حيث يتعمدون على شرائها من المصانع الفلسطينية وختمها بالعبارات العبرية لتظهر كأنها من تراثهم المزيف.