في إحدى المرات استدعى ضابط السجن الأسير علاء الدين الكركي، وعلامات الذهول بادية على وجهه "كيف يا علاء مخك شغال لليوم، رغم السنوات الطويلة الك في السجن، وجايب علامة عالية"، حينها كان علاء حاصلًا على معدل 95% في أحد مساقات بكالوريوس العلوم السياسية التي يدرسها.
أُدرج اسم علاء الدين، المعتقل منذ 17 ديسمبر 1993، ضمن الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل اتفاق أوسلو التي كان يفترض الإفراج عنها، لكن سلطات الاحتلال امتنعت عن ذلك.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يسحب فيها اسم علاء الدين (49 عامًا) من قوائم المفرج عنهم، كما يذكر أخيه رأفت الذي يكبره بعام ونصف العام.
تحرير مؤجل
اعتقل علاء في العشرين من عمره، حكم بالسجن المؤبد، إضافة إلى عشرين عاماً، بتهمة تنفيذ عملية فدائية أدت إلى مقتل مستوطن.
يقول رأفت: "في الدفعة الرابعة من الاتفاقية السياسية لإطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو، أبلغ علاء الساعة 12 فجرًا بأنه سيتم الإفراج عنه، وبعدما جهز أمتعته وهيأ نفسه للحرية، أبلغوه في اللحظة الأخيرة بالرفض وسحب اسمه".يضيف رأفت لصحيفة "فلسطين": "ذكر اسم علاء في صفقات الإفراج أربع مرات، وبعد كل إلغاء كان يصاب بحزن كبير لأنه كان ينتظر اليوم الذي يحتضن فيه والدته، التي لم يمنعها عن زيارته إلا المرض".
يتابع: "في عام 2014 زينت والدتي البيت وجهزت نفسها لاستقباله، وملت الانتظار ولم يخرج كما قالوا لها، فباتت ليلتها حزينة تدعو الله أن تلقاه قبل وفاتها، لكنها لاقت ربها قبل شهر، وأبي قبل عشر سنوات".
كان رأفت وعلاء الدين لا يفترقان عن بعضهما، عاشا معًا تفاصيل حياتهما من الطفولة حتى الشباب، اضطرا إلى ترك مقاعد الدراسة للعمل، ومساعدة الأسرة؛ بسبب قساوة الوضع الاقتصادي الذي عاشته العائلة في ذلك الوقت.
يقول رأفت إنه وعلاء الدين كانا في عمر 14 عاماً، يركبان الحافلة متجهان إلى مدينة القدس ليبيعا البراويز والتحف، ومن ثم يعودان أدراجهما إلى المنزل.
وعن أكثر المواقف الطريفة التي يستذكرها رأفت عن علاء الذي يصفه بأنه شخص عنيد، قوي القلب وجريء، فقد كان مولعًا بصيد العصافير والحمام، يصطادها بالعيدان الخشبية عبر وضع مادة لاصقة لتلتصق أرجل الطير، فلا تتمكن من الطيران، وفي إحدى المرات تسلق شجرة تين عالية، لكي يصطاد عصفورًا، فلم يتوازن فسقط من مسافة عالية على الأرض.
شُجَّ رأس علاء وهو يسأل عن مصير العصفور الذي استطاع رأفت الإمساك به، "حينها ضحكت وقلت له امسح دمك ودعنا نطمأن عليك في البداية، هذا الموقف كلما ذكرته لعلاء الدين وهو في سجنه ندخل في نوبة ضحك متواصلة".
يؤكد رأفت أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة لعائلته صنعت من علاء رجلًا، على الرغم من أنه كان في مرحلة الطفولة، فكان متحملًا مسؤولية تدبير شؤون عائلته، على الرغم من صغر سنه.
"هيبة الأخ الأكبر"
أما أشرف الذي لم يتعدَّ العاشرة يوم اعتقل أخيه الأكبر، فلا يزال يذكر مشهد اعتقال علاء من داخل البيت، يقول: "أتذكر حين اقتحمت القوات الإسرائيلية الخاصة البيت، واعتقلت علاء، وأخبروا والدي أنهم سيأخذونه ساعتين ثم سيفرجون عنه، وقد مضى 30 عامًا وما نزال ننتظر".
ويردف: سألت علاء لماذا يرفض الاحتلال دائمًا الإفراج عنه على الرغم من أنه من الأسرى القدامى، أخبرني أن الاحتلال يخشى رجاحة عقله، وتمتعه بصلابة نفسية عالية، ويعد خروجه خطرًا.
لا يرتبط أشرف بذكريات طفولة تجمعه مع علاء الدين، ولكنه يذكر أنه كان لأخيه هيبة بين جميع أفراد العائلة، "كنت أهابه أكثر من والدي، إذ كان شديدًا في الحق".
وربما أكثر الذكريات التي ارتبطت بذهن أشرف، حينما بات أكثر واعيًا على هذه الحياة، هي سنوات زيارته لعلاء الدين في سجنه، والحواجز الإسرائيلية، الساعات الطويلة التي يقيضها في طريقه إليه، وهي لحظات قاسية وصعبة للغاية.
ويلفت أشرف إلى أن شقيقه يتمتع بمعنويات عالية على الرغم مما مر عليه من صدمات نفسية متتالية، ويستمد قوته من القرآن الكريم الذي يحفظه كاملًا.
توفيت والدة علاء الدين وهو يتمنى أن يراها، أو يسمع صوتها، أو أن يُسمعها صوتها على الأقل، وهي على سرير المرض، ولكن كان طلبه يقابل بالرفض القاطع من إدارة السجن، ونقلت الأمانة إلى أخوته بأن يعوضوه عن كل السنوات العجاف التي مرت عليه في سجنه.