فلسطين أون لاين

زوجته فارقت الحياة وورثتهم الأمل

تقرير محمد الطوس.. 3 أبناء شبُّوا في انتظار تحرُّره

...
الأسير محمد الطوس
الخليل-غزة/ هدى الدلو:

في بداية أسره كانت زيارات أبنائه له باردة من أي مشاعر فقد اعتُقل وثلاثتهم لا يعون معنى كلمة "أب" فأكبرهم بالكاد تجاوز العامين من عمره، لكن الأم استطاعت تكوين صورة حقيقية للرجل المغيب خلف قضبان سجون الاحتلال منذ نحو أربعة عقود.

فمنذ 38 عامًا يُغيب الاحتلال الإسرائيلي الأسير محمد الطوس قسرًا عن عائلته ووطنه ومحيطه الاجتماعي الذي يقتصر على زيارة شهرية من خلف حاجز زجاجي، والتواصل عبر سماعة الهاتف والتشويش حاضر ليفسد اللقاء.

الطوس من مدينة الخليل هو ثالث أقدم أسير فلسطيني، وأحد عمداء الأسرى المعتقلين منذ ما قبل اتفاق أوسلو الذي فشل في إطلاق سراحهم، إذ أصدرت إحدى محاكم الاحتلال العسكرية بحقه حكمًا بالسجن الفعلي المؤبد لعدة مرات، ويقبع اليوم في سجن ريمون، وما يزال يعيش القيود والسجن وما أحدثه من شيب وألم.

اعتقل محمد في السادس من أكتوبر 1985، حينها كان الابن البكر شادي في عمر العامين، وفداء عام ونصف، في حين كان شقيقهما ثائر جنينًا في بطن أمه، اليوم بات جميعهم آباءً.

ذكريات وأجواء غائبة

يقول شادي لصحيفة "فلسطين": "لا أتذكر شيئًا عن والدي، حتى أن عند اعتقاله لم نكن نعي ماذا يعني اعتقال، وغيابه عنا، لكن والدتي استطاعت أن تحمل على كتفيها دور الأم والأب، وتحملت أيامًا طويلة من المطاردة ومن ثم الاعتقال، عدا عن متابعتها للمؤسسات الحقوقية والفعاليات الخاصة بالأسرى دفاعًا عن والدي لينال الحرية".

ويشير إلى أن اللقاء الأول مع والده كان صعبًا لطفل لا يستطيع التعبير عن مشاعره ولا يعي ما يحدث معه، في ذلك الوقت كانت سلطات الاحتلال تسمح بدخول الأطفال للأسير لاحتضانه، ثم يخرجوه ليكمل الزيارة وهو يقف بجانب والدته.

يضيف: "كأي طفل كنا نتمنى أن نكبر أمام عيني أبي، درسنا وتعلمنا وتزوجنا وأصبح لدينا أبناء ونحن نتمنى أن يكون بيننا، يعيش معنا لحظات الفرح، ويسندنا في أوقات الحزن، خاصة بعدما أقدم الاحتلال على هدم بيتنا ثلاث مرات، وعشنا في خيمة بفصل الشتاء القارس".

ما يزال شادي يفتقد أجواء الصيام واجتماع العائلة بأكملها على سفرة الإفطار، ويتذكر حديث أمه عن والده الذي كان يذهب يوميًا إلى نبع عصيون القريب من بلدة الجبعة الواقعة شمال غرب مدينة الخليل لإحضار الماء البارد لمائدة الطعام.

اليوم يحمل شادي على عاتقه مهمة إعلاء ذكر والده وحضوره بين الناس، فلا يأتي رمضان دون أن يجهز برفقة أشقائه لإفطار يذكر فيه الأقارب مآثر الأسير محمد وحكايته معهم ودوره في العمل المقاوم، مشيرًا إلى والدته التي أورثتهم كل العادات التي يحبها أبوهم في المناسبات والأعياد وحفلات الزفاف والعلاقات الاجتماعية بالأهل.

ظروف الاعتقال

أما ظروف الاعتقال فيقول ثائر، إن والده ومجموعة "جبل الخليل" وقعوا في كمين نصب لهم في الطريق إلى الحدود الأردنية في أثناء محاولتهم الخروج من فلسطين المحتلة، بعد مطاردة طويلة بين جبال ومغارات الضفة، حيث هاجمهم جيش الاحتلال بوابل من الرصاص وأطلق عليهم صاروخ محمول على الكتف، فاستشهد جميع أفراد المجموعة باستثناء "محمد" الذي أصيب بجروح خطيرة.

أخفت سلطات الاحتلال خبر بقاء محمد على قيد الحياة لستة أشهر، واعتقدت عائلته أنه استشهد كبقية رفاقه، في تلك المدة تعرض لتحقيق قاسٍ تخلله تعذيب جسدي مدة ثلاثة أشهر، حيث أدين بالانتماء إلى حركة فتح والعمل المقاوم وتنفيذ العمليات العسكرية ضد الاحتلال.

يلفت ثائر إلى أنه بالرغم من بعد والده، "استطاعت أمنا تعليمنا نحن الثلاثة أعظم درس في هذه الحياة، وهو الصبر على التحمل بالرغم من كل الظروف، وعدم التنازل عن الحق، فعند المحاكمة رفض والدي الوقوف في المحكمة لعدم الاعتراف بها وبقانونيتها".

أصعب لحظات الانتظار التي عاشتها عائلة الطوس، كانت الأمل بالإفراج عنه ضمن اتفاقيات سياسية للإفراج عن أسرى ما قبل أوسلو، وفي كل مرة يصابون بخيبة أمل لعدم ورود اسمه في قوائم المحررين ولكنهم ما يزالون على أمل.

عين الجبل

يقول شادي إن والدته أصيبت بجلطة دماغية من شدة حزنها عام 2014، "لم تقوَ على الحركة أو الكلام وغابت عن الوعي لمدة عامٍ وشهرين ثم فارقت الحياة، تلقى والدي صدمة كبيرة لعدم قدرته على وداعها، فهي من تحملت بعده ووقفت إلى جانبه لترعى عائلته".

استطاع والده في سنوات اعتقاله تأليف كتاب "عين الجبل" يتحدث فيه عن حياته في البر والجبال، وعن تفاصيل الحياة بين النباتات والعيون المائية، والكهوف، وعمله الفدائي وسنوات اعتقاله.

مرت 38 عامًا بثقلها على قلب الأسير الطوس وعائلته، وما يزال يكافح على جبهة السجن من جانب، وعلى الآخر المرض حيث يعاني ضعف الرؤية في العين اليمنى، ووجود أكياس على الكلى، وبالرغم من ذلك ما يزال يحافظ على لياقته البدنية فهو رياضي من الدرجة الأولى.

يقول شادي إن والده غيب قسريًا عن الحياة لكنه في زيارة لسجن ريمون يتأكد أنه مواكب لتطورات الحياة السياسية والاجتماعية في فلسطين، وما يزال على عهد اعتقاله متمسكًا بأرضه ووطنه، ويسعى لإطلاق كتابه الثاني.