تفاجأ مدير مدرسة برهان كمال الأساسية في نابلس فيصل جاد الله، برسالة نصية عبر هاتفه المحمول، تُفيد بأنه "تقرر خصم 7 أيام عمل؛ بسبب امتناعك عن أداء مهامك الوظيفية"، وذلك في أعقاب المشاركة في حراك المعلمين للمطالبة بحقوقهم.
ويخوض المعلمون إضرابًا مفتوحًا عن العمل في غالبية مدارس الضفة الغربية، للأسبوع الثاني على التوالي، وسط مماطلة وتلكؤ من حكومة محمد اشتية بتنفيذ الاتفاق الذي جرى في أبريل/ نيسان الماضي، وأقرّه مجلس وزراء رام الله في إحدى جلساته.
اقرأ أيضًا: معلمو الضفة: سنُصعّد حراكنا حال تنصُّل حكومة اشتية من وعودها
وفي حديثه مع صحيفة "فلسطين" يقول جاد الله وهو أحد المشاركين في الاتفاق: إنّ عددًا من المعلمين تلقّوا رسائل تفيد بخصم أيام عمل من رواتبهم تتراوح ما بين 5-7 أيام، على الخلفية ذاتها، عادًّا ذلك سياسة من حكومة رام الله لترهيب المعلمين.
وأوضح أنّ حكومة رام الله تعمل على ترهيب وتخويف المعلمين المشاركين في الإضراب، "بلا مسوغ قانوني"، وذلك لثنيهم عن مواصلة الحراك المطالب بحقوقهم والاتفاق الذي جرى إبرامه، مؤكدًا أنها تواصل سياسة التلكؤ والمماطلة بالتنفيذ.
وأشار إلى أنّ هذه ليست المرة الأولى التي يُتّخذ فيها إجراء الخصم من رواتب المعلمين، إذ سبق وأن خُصم في عدة إضرابات سابقة، لكن في النهاية تراجعت الوزارة عن قرارها وأُعيدت الخصومات للمعلمين.
ودعا جاد الله حكومة رام الله إلى تنفيذ الاتفاق الذي جرى التوقيع عليه بحضور شخصيات ومؤسسات حقوقية عدّة، لضمان حقوق المعلمين كما باقي القطاعات الأخرى.
ويقضي الاتفاق بزيادة طبيعة العمل بنسبة 15% لجميع العاملين في وزارة التربية والتعليم، إذ يصرف 10% منها بداية عام 2023، و5% بداية عام 2024.
لم يقتصر الحال على "جاد الله"، فهناك المعلمة كفاية أبو شحادة من مدرسة بنات طلوزة الثانوية بنابلس، التي تفاجأت بقرار إنهاء خدمتها في قطاع التعليم "تعسفيًّا"؛ بسبب مشاركتها في إضراب حراك المعلمين لمطالبة حكومة رام الله بإعطائهم حقوقهم التي جرى الاتفاق عليها مسبقًا.
وكتبت أبو شحادة عبر صفحتها الشخصية على "فيسبوك"، "بعد خدمة زادت عن خمسة وثلاثين عامًا في سلك التعليم، في محافظتي رام الله ونابلس، وقد واصلتُ مهمتي في كل الظروف الصعبة التي نعلمها جميعًا من الاحتلال، وعاصرتُ الانتفاضة الأولى والثانية، وكنت قد أضربت مع زميلاتي وزملائي المعلمين والمعلمات مطالبين بحقوقنا، بعد هذه المسيرة الطويلة أتفاجأ بكتاب من التربية والتعليم بإنهاء خدمتي تعسفيًّا".
وتتساءل: "هل هكذا يتم مجازاة المعلم في رأيكم؟ ومن أين جاءت هذه الأفكار التي تعاقب المعلم الذي هو رسول العلم ونبراس المعرفة، ويسعى إلى نيل حقوقه ومطالبه".
ضغط حكومي
من ناحيته، يؤكد عضو حراك المعلمين خالد شبيطة، أنّ حكومة رام الله لا تزال تتنصل من الالتزام بالاتفاق، وتمارس سياسة المماطلة والتسويف تحت "مبررات واهية".
وقال شبيطة لصحيفة "فلسطين": إنّ الحكومة تمارس ضغوطًا متواصلة على المعلمين المشاركين في الإضراب باستخدام سياسة الفصل وخصم أيام من الرواتب، بهدف الترهيب والتخويف، وتقليل زخم فعاليات الإضراب.
اقرأ أيضًا: إضراب المعلمين يتسبب بإغلاق مدارس بالضفة الغربية
وشدد على أنّ "حراك المعلمين لن يتوقف إلا بتحقيق المطالب والالتزام بما جرى الاتفاق عليه خلال السنة الماضية"، لافتًا إلى أنّ أعداد المشاركين آخذة بالتزايد على الرغم من إجراءات وتهديدات حكومة اشتية.
وأوضح أنّ الحراك سيُصعّد فعالياته في المدة القادمة، حال استمرت حكومة اشتية بالتنصل والمماطلة، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك اعتصام مركزي أمام مجلس وزراء رام الله يوم غدٍ الإثنين الساعة 11 صباحًا، مع استمرار الإضراب طيلة أيام الأسبوع.
وبيّن شبيطة الذي خصمت عنه حكومة اشتية 9 أيام عمل من راتبه، أنّ الأخيرة تستخدم سياسة "العصا والجزرة" مع معلمي الحراك، في سبيل التأثير على الإضراب الذي يتصاعد يومًا بعد آخر.
غير قانوني
إلى ذلك، يقول مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" في رام الله د. عمر رحال: إنّ "الإضراب حق مكفول في القانون الدولي والقوانين الفلسطينية ذات الصلة، ومن حق المعلمين ممارسة هذا الحق، طالما كان هناك تقصير من الحكومة".
وأوضح رحال لصحيفة "فلسطين"، أنّ إجراءات الحكومة برام الله غير قانونية، والأصل أن يكون هناك احترام للاتفاقيات التي وُقّعت بينها وبين المعلمين، مشيرًا إلى ضرورة عقد حوار حول القضايا المطلبية الأساسية للعاملين في قطاع التعليم كما القطاعات الأخرى.
وعدّ فصل موظفين ومعاقبة آخرين بالخصم من رواتبهم "خرقًا واعتداءً على حقوق المعلمين"، داعيًا إلى عقد حوار بين الحكومة والمعلمين للتوصل إلى تفاهمات.
وطالب السلطة، بتخصيص موازنات أكبر وأعلى لقطاع التعليم، والاهتمام بالكادر التعليمي كما قطاع الأمن الذي يستنزف أموالًا طائلة من الموازنة، داعيًا حكومة اشتية إلى الكفّ عن استخدام سياسة الترهيب والتخويف ضد المعلمين المضربين.
كما طالب حكومة اشتية ووزارة التعليم في رام الله، بالتراجع الفوري عن القرارات التي اتخذتها بحقّ عدد من المعلمين في المدة الماضية، وإسنادهم وتلبية مطالبهم وحقوقهم.