لا عاش شعبٌ نسي بؤبؤ عينه خلف الجدران، ولا أدرك طريق الحرية شعبٌ تخلى عن عيونه التي يبصر بها طريق النصر، ولا قيمة لقيادة أو تنظيم تخلى عن الأسرى خلف الأسوار عشرات السنين، وانزوى يشكو الحنين.
الأسرى هم بؤبؤ عين الشعب الفلسطيني، إذ لا يكاد يخلو بيت من أسير، ولا يكاد ينام بيت في فلسطين دون أن يكحل عينه بأمنية تحرير الأسرى، وبكل صدق، فإن ما يخفف عن الأسرى عذاب الغربة خلف الأسوار، هو ذلك الشعور بأنهم ينتمون إلى وطن، وأنهم طليعة شعب لا يساوم، ولا يلين، وأن ما يهوّن على السجناء عذاب السجن، هي تلك الحياة التنظيمية، التي ضمنت للأسير الأمن والاستقرار، ومواصلة التثقف، وأعطته الثقة بالنفس، وزرعت في شرايينه الأمل بأنه من صناع الغد، ولعل ما يبسط للسجناء اليد لمواصلة الحياة، على الرغم من ظروف السجن القاسية، هي تلك الإنجازات الحياتية التي حققها السجناء على مدار سنوات السجن، التي طالت ما يقارب مليون فلسطيني.
العدو الإسرائيلي لا يعجبه حال الأسرى الفلسطينيين المنتظم خلف الأسوار، ولا يرضيه أن يعيش الأسير حياة إنسانية مقبولة، وينزعج من الأمل الذي يصدره الأسرى إلى عموم الشعب الفلسطيني، لذلك قرر الوزير الصهيوني بن غفير محاربة الأسرى بلقمة خبزهم، وبخصوصية حياتهم الداخلية بين جدران السجن، فراح يسن القوانين الأكثر فظاعة من القوانين النازية، فأمر بتقليص كميّة المياه الواردة إلى الأسرى، وأمر بتقليص ساعات الاستحمام (ساعة واحد لكل قسم)، وأمر بإغلاق مخابز "البيتا" للأسرى بالسجون، وأصدر أوامر ببناء قسم مخصص لعزل الأسيرات، وأمر بعدم السماح لأعضاء كنيست بزيارة أسرى، بل تدخل بحياة الأسرى خارج الأسوار، حين عاقبهم بمخصصاتهم المالية؛ التي يصرفها لهم الصندوق القومي الفلسطيني، وعاقبهم في موطنهم، حين منع على أهالي الأسرى الاحتفالات بالإفراج عنهم، بل زاد بن غفير في تطرفه، وراح يسعى إلى إصدار قانون الإعدام للأسرى الفلسطينيين.
إجراءات بن غفير ضد الأسرى ليست إجراءات شخصية، إنها قرارات حكومية، تعكس مزاج المجتمع الصهيوني برمته، مجتمع أراد للسجون أن تكون مقابر للوطنية والانتماء، فإذا بها مدارس للثورة والوفاء، لذلك كانت الهجمة على الأسرى في السجون الإسرائيلية من أساسات العمل السياسي الإسرائيلي، الهادف إلى سحب الهوية الوطنية، عبر سحب الجنسية من الأسرى.
إن هذه الهجمة الصهيونية على الأسرى، لا تختلف عن الهجمة على أرض الضفة الغربية بهدف تعزيز الاستيطان، ولا تختلف عن الهجمة على المسجد الأقصى، والمسعى إلى التقاسم الزماني والمكاني، ولا تختلف عن الهجمة على الوجود الفلسطيني المقاوم للعدوان، والرافض للسكينة والهوان.
لجنة الطوارئ الوطنية العليا للحركة الأسيرة أعلنت رفضها الإجراءات القمعية التي أعلنها (بن غفير)، وقررت البدء بخطوات تصعيدية، وصولاً إلى الإضراب المفتوح عن الطعام، إنها المعركة التي لن تظل حبيسة خلف القضان، معركة الأسرى ستعبر إلى كل ساحات المواجهة، فالشعب الفلسطيني بقضه وقضيضه موحدٌ خلف حرية أسراه، ولن تجد بين الفلسطينيين متخاذلاً عن نصرة الأسرى، ولا سيما وهم يعلنون العصيان، كخطوة أولى على طريق الإضراب المفتوح عن الطعام، والذي يتجهز له الأسرى الفلسطينيون مع بداية شهر رمضان.
شهر رمضان يخبئ للعدو المفاجآت في كل ساحات الصراع، بدءاً من ساحة الأسرى مروراً بساحة المسرى، ولا يستثني ساحة غزة والضفة الغربية، وفلسطيني 48، بل وساحة فلسطيني الشتات، ومن خلفهم أمتهم العربية والإسلامية، صاحبة الولاية على أرض فلسطين، وعلى القدس والمسجد الأقصى.