ما زالت أجهزة أمن الاحتلال والجيش في حيرة من أمرهم في كيفية مواجهة الظاهرة الجديدة في ساحة المقاومة الفلسطينية المتمثلة بانخراط الفتيان الصغار في تنفيذ المزيد من الهجمات الفدائية، زاعمة أنهم جميعهم يشتركون في أمر واحد، وهو أنهم جميعًا يتغذون على التحريض الذي تبثه شبكات التواصل الاجتماعي، بحيث يصبحون بعد تنفيذ هجماتهم "أبطال المخيم".
ما من شك أن الأطفال الفلسطينيين محرومون من أخذ حقهم في طفولة سوية طبيعية أسوة بجميع أطفال العالم، لكن هذا الاحتلال المجرم حرمهم إياها، وحين يحاولون تقليد الكبار لمهاجمته، والانتقام منه، تثور ثائرته، ويبدأ بتوزيع اتهاماته على الفلسطينيين بزعم أنهم ينتهكون هذه الطفولة من خلال إقحام الأطفال في عمليات المقاومة، مع أن الاحتلال ذاته، وهو حصريًا فقط، من يتحمل انتقال الأطفال الفلسطينيين من اللعب في الرياض والحدائق التي هدمها وفجرها بصواريخه إلى ميدان آخر.
على الصعيد الأمني، لا يخفي الاحتلال أن الملفات الشخصية لدى الفتيان الفلسطينيين من منفذي الهجمات الأخيرة تظهر أنها معقدة أمام محققي أجهزة المخابرات، ويكاد يكون من المستحيل التكهن بنواياهم المستقبلية، لكن جميع المقاومين الجدد، وعلى رأسهم الفتيان الصغار، استلهموا أفكارهم من شبكات التواصل التي تتهمها أجهزة أمن الاحتلال بأنها أصبحت منصة لنشر الكراهية ضد الإسرائيليين.
النماذج كثيرة على أن العديد من الفتيان الفلسطينيين الذين نفذوا هجمات ضد الاحتلال، متفوقون في دراستهم، وعاديون في مسلكياتهم، ولم يتعرضوا لحوادث عنف، باستثناء ما يرونه بأم عيونهم من انتهاكات الاحتلال ضد عائلاتهم وجيرانهم وأقاربهم، وباتوا يكتبون على صفحاتهم في شبكات التواصل أو في دفاترهم المدرسية عبارات تتكرر من قبيل "إما النصر أو الشهادة.. ستفخرين بي يا أمي"، وما يكنّونه من احترام للعديد من المقاومين الشهداء، ممن أصبحوا نجوم مواقع التواصل، فتأثروا بصورهم، وارتدوا القمصان التي تحمل رموزهم في المخيمات، وآخرهم إبراهيم النابلسي وخيري علقم وعدي التميمي، وقد أصبحوا مصدر إلهام، ويريدون أن يكون مثلهم.
يعيد قلق الاحتلال هذا للأذهان ما واجهه من معاناة كبيرة أمام ظاهرة أطفال الحجارة خلال انتفاضة الحجارة، وقد أرهقوا جنوده في أزقة وشوارع مخيمات اللاجئين، ودفعت نزار قباني لنظم قصيدته الشهيرة "يا تلاميذ غزة"، قائلا: "يا تلاميذ غزة علمونا بعض ما عندكم فنحن نسينا... علمونا بأن نكون رجالًا فلدينا الرجال صاروا عجينا... علمونا كيف الحجارة تغدو بين أيدي الأطفال ماسا ثمينا... كيف تغدو دراجة الطفل لغما، وشريط الحرير يغدو كمينا... كيف مصاصة الحليب إذا ما اعتقلوها تحولت سكينا.. اِضربوا بكل قواكم واحزموا أمركم ولا تسألونا.. قد صغرنا أمامكم ألف قرن، وكبرتم خلال شهر قرونا...