فلسطين أون لاين

يدمج الطلبة ذوي الإعاقات العقلية بالمجتمع المدرسي

تقرير "معلم الظل".. برنامج تربوي يحقق نتائج واعدة في المدارس الحكومية

...
غزة/ مريم الشوبكي:

يلازم المعلم شادي أبو شنب طالبه خالد كظله، في الغرفة الصفية تجده يجلسه بجانبه، وفي وقت الاستراحة يراقبه من بعيد تاركًا له مساحة للتصرف دون مساعدة، ولكن عند وجود أمر ملحّ يتدخل فورًا تشجيعًا وتعزيزًا له بمعاونة أقرانه في المدرسة.

"خالد" المصاب بطيف توحد صعد إلى الصف السادس بفعل المعلم أبو شنب، الذي يعمل "معلم ظل" منذ أربع سنوات في مدرسة عبد الكريم العكلوك الأساسية بدير البلح وسط قطاع غزة.

وأطلقت وزارة التربية والتعليم العالي بغزة برنامج معلم الظل عام 2011م، في مدارسها لخدمة الطلبة ذوي الإعاقة من متلازمة داون والتوحد البسيط، الذين أُدمجوا في المدارس، بتخصيص معلمي تربية خاصة لرعايتهم من كل النواحي. 

الاندماج

يقول أبو شنب لـ"فلسطين": "بدأت التعامل مع الطفل خالد منذ كان في الصف الثالث، ووضعت خطة تعليمية للتعامل معه مبنية على أربعة محاور: الأكاديمي، والاجتماعي، والسلوكي، والاستقلالية بما يتناسب مع عمره، ومستواه العقلي".

ويضيف: "في البداية كان يعاني خالد الخجل والخوف من مجتمع المدرسة، لذا عملت على بناء علاقات صداقة بينه وبين زملاء صفه، وأهتم بمشاركته في الأنشطة اللاصفية التي تساهم في رفع مستواه في الأنشطة الصفية حيث بات اليوم لاعبًا أساسيًا في فريق المدرسة لكرة القدم وسيشارك في مسابقات على مستوى المحافظة".

ويبقى أبو شنب ملازمًا لخالد منذ لحظة دخوله للمدرسة، حتى انتهاء الدوام المدرسي. وفي أحد الأيام لاحظ خوفه وخجله، وتردده في الشراء من المقصف، هنا جاء دوره في إزالة الرهبة من قلب طالبه من خلال التنسيق مع مدير المدرسة وإدارة المقصف والطلاب، لتشجيعهم على مشاركته الشراء من المقصف، حتى بات يزاحمهم في عملية الشراء.

يشير إلى أن خالد بات يعتمد على نفسه في أمور حياته، حتى أنه يقود دراجته الهوائية وحده من بيته حتى المدرسة.

ويلفت إلى أن خالد يمتلك مهارات في اللغة العربية قراءة، وكتابة، وأصبح قادرًا على مجاراة زملائه في الرياضيات، والعلوم، والمواد الأخرى.

وعند مواجهة أبو شنب مشكلة في استيعاب خالد لبعض الدروس، يتبع استراتيجية التعليم الجمعي من خلال جمع زملاء خالد المتفوقين، وإعادة شرح الدرس أمامهم، ما يولد لديه الجرأة والتنافس في الإجابة، مؤكدًا أنه حقق نتائج مبهرة.

ويشدد أبو شنب على أن برنامج "معلم الظل"، نقلة نوعية لنظام التعليمي في قطاع غزة، ومجاراة الأنظمة التعليمية المتطورة التي تتبعها دول الخليج التي تحتاج إلى ميزانية عالية، وهو ما تؤكده أيضًا المعلمة شيماء أبو مصطفى.

قادرون على التغيير

وتمكنت أبو مصطفى من تحقيق نجاح في فرض حب طالبتها هند التي تعاني متلازمة داون في قلوب زميلاتها في الصف، والأخذ بيدها لتصبح تعتمد على نفسها اعتمادا تاما في الذهاب والإياب إلى مدرستها، والقيام بأمورها الشخصية اليومية.

وتعاملت أبو مصطفى مع هند مذ كانت في الصف الأول حتى الصف الرابع في مدرسة الزيتون (أ) المشتركة، ومن ثم انتقلت معها لمدرسة المجدل الأساسية (ب) واليوم أصبحت في الصف السادس.

وتقول لـ"فلسطين": "أعمل على تبسيط المنهاج لهند، وتعزيز الجانب الاجتماعي، والرعاية الذاتية من خلال دمجها مع زميلاتها، وإشراكها في الأنشطة المكتبية، والمسابقات الفنية وغيرها التي تقام في المدرسة، أو على مستوى المديرية".

وتضيف: "في البداية كان لدي تخوف في تقبل الطالبات لها ولكني تفاجأت بكمية الحب الذي تكنه زميلاتها لها وهو ما أكسبها ثقة كبيرة بالنفس وقدرة على التواصل معهم، بل وصلت لحد عال في التنافسية والحماسة نيل درجات كاملة في موادها العلمية".

وتشير أبو مصطفى إلى وجود عدد كبير من الأطفال من ذوي الإعاقة العقلية بحاجة إلى إدماجهم في المدارس، مؤكدة أن برنامج "معلم الظل" خطوة مهمة، أثبتت بها وزارة التربية والتعليم أن هذه الفئة قادرة على التغيير، وحقهم كغيرهم في تلقي التعليم في المدارس الحكومية العامة.

تصنيف الطلبة

ومن جهته يبين مدير الإرشاد والصحة النفسية في وزارة التربية والتعليم د. خالد أبو فضة أن برنامج "معلم الظل" بدأت الوزارة بتطبيقه على مجموعة من الطلبة الذين أنهوا فترة التأهيل في المدارس الخاصة المرخصة من الوزارة لطلبة من أصحاب الإعاقات العقلية في المدارس الخاصة، حيث تم تشكيل لجان لهم من أجل إدماجهم في المدارس العادية، وتم تصنيفهم حسب قدراتهم وإمكاناتهم.

ويوضح أبو فضة لـ"فلسطين"، أن بعض الطلبة يتم إدماجهم جزئيًا بتوفير معلم ظل متخصص بالتربية الخاصة ويتم تعيينه من الوزارة ليبقى ملازما للطالب خلال وجوده في المدرسة.

ويشير إلى أن برنامج معلم الظل يهدف إلى إدماج الطالب الذي يعاني إعاقة عقلية اجتماعيًا مع الطلبة الآخرين، كما يعمل المعلم على تتبع الطالب مع الأهل وإيفادهم بمستواه العلمي، واحتياجاته من الناحية السلوكية، والرعاية الذاتية، والنفسية، والتعليمية.

ويلفت أبو فضة إلى أن بعض الطلبة يتم تأهيله دون معلم ظل، وبعضَهم يحتاج إلى رعاية كبيرة، وآخرين متوسطة.

ويبين أن هناك 15 طالبا وطالبة من ذوي الإعاقة العقلية موزعين على جميع مدارس قطاع غزة، لافتًا إلى وجود معلمي ظل يتكفل أولياء الأمور بتوفيرهم لأبنائهم على نفقتهم الشخصية وتقدم لهم الوزارة التسهيلات اللازمة، نظرًا لضعف الإمكانات المادية التي تحول دون توفير عدد كبير من المعلمين.

وينبه أبو فضة إلى أنه يتم وضع طالب إلى ثلاثة طلاب من ذوي الإعاقة العقلية كحد أقصى في الصف الواحد.

وعن النتائج الإيجابية التي حققها البرنامج، يجيب: "على مدار العشر سنوات أصبح الطلبة من ذوي الإعاقة جزءًا من المجتمع المدرسي وطرأ تحسن في مستواهم الأكاديمي، وقدراتهم العقلية والاجتماعية".

المصدر / فلسطين أون لاين