ما فتئت حكومة الاحتلال اليمينية الحالية تصدر تهديداتها يمنة ويسرة، بين يوم وآخر، في ذروة فشلها وإخفاقها أمام موجة العمليات الفدائية المتصاعدة منذ قرابة عام كامل، ولم تنجح كل محاولات الجيش والأمن في وقفها، أو كبح جماحها، ما أوقع أقطاب الحكومة الحالية في حيرة من أمرهم، وهم الذين إلى وقت قريب حين كانوا في المعارضة دأبوا على انتقاد حكومتي لابيد وبينيت بأنهما عاجزتان عن التعامل الجدي مع المقاومة المتوثّبة.
عالجت هذه السطور قبل أيام الدعوات الإسرائيلية المتصاعدة لتنفيذ نسخة جديدة من عملية "السور الواقي" التي نفذها الاحتلال في 2002 للتصدي للهجمات الفدائية، وأظهرت أنها دعوات فارغة المضمون، ورصيدها من الواقع صفر كبير على الشمال، واليوم تسعى هذه السطور لتشريح دعوات إسرائيلية جديدة لإطلاق نسخة أخرى من عملية "حارس الأسوار" التي أطلقها الاحتلال في مايو 2021، بين كونها تهديدًا حقيقيًا أم نبوءة يسعى اليمين الإسرائيلي لتحقيقها، مع العلم أن قناعات إسرائيلية متزايدة تؤكد أن الخندق الذي سيذهب إليه قادة هذا اليمين سيؤدي لانفجار واسع سيكون الاحتلال في قلبه.
يذكّرني إطلاق مثل هذه الدعوات الإسرائيلية بما دأبت عليه المؤسسة الأمنية لدى الاحتلال بإصدار تنبؤات أو توقعات أو تقديرات، سمّوها ما شئتم، بقرب اندلاع حرب ما أو مواجهة عسكرية بعينها، لكنها فشلت في الكثير منها، وليس أدلّ على ذلك من حرب أكتوبر 1973، وانتفاضة الحجارة 1987، وصولًا الى حارس الأسوار الأولى في 2021، وقد أثبتت هذه الإخفاقات أن التقديرات الإسرائيلية في عمومها لم تستند على الأقل في هذه الحوادث بعينها، إلى تقييمات مدروسة، بالرغم من أنني لا أقلل البتة من المنهجية العلمية التي يعتمدها الاحتلال في قراراته وتوجهاته السياسية.
مع العلم أن الدعوات الإسرائيلية الصادرة عن أوساط الحكومة بالاستعداد لسيناريو تنفيذ نسخة جديدة من "حارس الأسوار" مرتبطة بالضرورة بتصاعد الاقتحامات المحتملة للمسجد الأقصى، وهو السبب الرئيس الذي من أجله انطلقت حرب 2021، وما كشفته من عدم جاهزية إسرائيلية لإمكانية تمدد الاحتجاجات الفلسطينية إلى الداخل المحتل، ما دفع الحكومة الحالية للحديث مباشرة عن إنشاء حرس وطني، وتقوية الشرطة، ومضاعفة قوات الأمن، والتصرف تصرفًا عدوانيًا ضد فلسطينيي الـ48، وتوتير الأوضاع التي من شأنها إشعال النيران، وبالتالي تمهيد الطريق لإنشاء المزيد من ميليشيات المستوطنين المسلحين.
في الوقت ذاته، وبعيدًا عن تبرئة ساحة أحد، وتجريم آخرين، فما من شك أن رئيس الحكومة ذاته الذي يسعى للظهور بصفة "البالغ الناضج"، ومن دونه من الوزراء "المجانين"، ربما لا يعارضون الخطط المليئة بالوحشية والدموية الموجهة ضد المقدسيين خصوصًا، والفلسطينيين عمومًا، بدليل تعزيز وتسريع إصدار التراخيص اللازمة، ووضع الميزانية لشراء آلاف الأسلحة للمستوطنين بزعم حماية أنفسهم من عمليات المقاومة.