فلسطين أون لاين

التهديدات "الداخلية" على الاحتلال تفوق "الخارجية"

يوما بعد يوم، تتصاعد الاحتجاجات الإسرائيلية الداخلية، وتتوالى مظاهرات السبت، وينضم إليها المزيد والمزيد من القطاعات النقابية والحقوقية والاقتصادية، إلى الدرجة التي دفعت رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للتحضير لعقد اجتماعه الأول مع يائير لبيد زعيم المعارضة، وهو الذي أبدى "تمنّعًا" في بداية استلامه مهامه الرسمية أوائل العام.

صحيح أن الإعلان الحكومي يتحدث أن الاثنين سيتحدثان حول تطورات الأوضاع الأمنية، لكن هناك شكوكًا كبيرة أنهما لن يتحدثان عن التهديد الحقيقي الذي يحيط بالدولة، وهو الاستقطاب الداخلي الذي يكاد يمزّقها، خاصة وأن مثل هذا اللقاء يأتي عشية الفوضى العارمة التي تحيط بها حول التغييرات القانونية والانقلاب القضائي المزمع إجراؤه، والخشية المتصاعدة من "حرب الأشقاء". 

وصحيح أن نتنياهو منزعج بالفعل من التوقعات الاقتصادية القاتمة المتوقع حدوثها من هذه التغييرات القانونية، لكنه في الوقت ذاته ليس لديه ما يكفي من الوقت للتشاجر مع شركائه، غير المستعدين للتوقف عن أجندتهم الفاشية، على الرغم من احتدام الإضرابات والمظاهرات والاحتجاجات التي لم تعرف دولة الاحتلال مثلها.

يتوقع أن يكون على طاولة اجتماع الخصمين اللدودين جملة من القضايا الأمنية العاجلة، وأهمها: النووي الإيراني، والمقاومة في غزة، ومستقبل السلطة الفلسطينية المتهاوية، والعمليات المتصاعد في الضفة الغربية، وربما القليل عن أوكرانيا وروسيا، ولا سيما وأنه هذه المرة فقط، وأكثر من أي وقت مضى، تحوم التهديدات الإستراتيجية الخارجية، في حين تحوم أضعافها داخليًا، عبر الخطر الداهم باحتراق الدولة، واندفاعها نحو الاصطدام. 

ما من شكّ أن تصميم الحكومة اليمينية المتطرفة على النهوض بالتغييرات القانونية في مواجهة المعارضة المتزايدة يرفع الانقسام، والاستقطاب السياسي، والاجتماعي إلى ذروة لم تعرفها دولة الاحتلال، حتى في خمس دورات انتخابية مبكرة شهدتها منذ 2019، ما أثار جبهة متوترة داخلياً غير مسبوقة. 

يسعى نتنياهو وأنصاره بكل ما أوتوا من قوة أن يصفوا هذه الاحتجاجات بأنها فوضوية يسارية، على الرغم من أنها تتوسع رويدًا رويدًا لتشمل المزيد من المجموعات والسكان، منهم : رجال الأمن، والناشطون، والاقتصاديون، والمحامون، والطلاب، والأطباء، والمزيد يطالبون بذلك، جنبًا إلى جنب مع الخطاب حول الحرب بين الأشقاء والحرب الأهلية، وانتشار المزيد من العنف، والتحريض على شبكات التواصل الاجتماعي ببطء إلى الشوارع والميادين. 

الأكثر خطورة من كل ما تقدم أن المجنون بن غفير يتحيّن الفرص لإصدار أوامر للشرطة باستخدام المزيد من القوة ضد المتظاهرين، وصبّ المزيد من زيت على نار التوتر الداخلي القائم أصلًا، وهو ما لن يغيب بالتأكيد عن اجتماع نتنياهو ولبيد، لأن الأزمة الداخلية العميقة تهدد وجود الدولة ذاتها، بجانب ترقب القوى المعادية لما يحصل من تطورات متلاحقة.