أربك تصاعد العمليات البطولية التي نفذها شبان فلسطينيون في مدن الضفة الغربية وتحديدًا في القدس المحتلة حسابات حكومة المستوطنين الفاشية برئاسة بنيامين نتنياهو، ولا سيّما وزير "الأمن القومي" فيها المتطرف إيتمار بن غفير الذي توّعد بتحقيق الأمن للمجتمع الإسرائيلي منذ توليه المنصب.
وقُتل 3 مستوطنين وأصيب 4 آخرون في عملية دهس نفذها الشاب حسين قراقع أول من أمس عند محطة وقوف الحافلات في مستوطنة "راموت" شمال القدس المحتلة، ما قضّ مضاجع "بن غفير" الذي أصدر في أثناء وجوده في مكان العملية تعليماته للشرطة بالاستعداد إلى عملية "السور الواقي 2" في مناطق شرقي القدس بدءًا من اليوم الأحد.
و"السور الواقي" هو عدوان عسكري نفذه جيش الاحتلال في مارس/ آذار 2002، في جميع أنحاء الضفة الغربية، استشهد فيه عشرات الفلسطينيين، كما حوصر الرئيس الراحل ياسر عرفات في مقر إقامته بمدينة رام الله.
اقرأ أيضاً: بالصور بعد مطالبته بتنفيذ "السور الواقي2".. بن غفير محطّ سخرية إسرائيلية واسعة
ومنذ مطلع العام الجاري، شهدت مدينة القدس المحتلة ثلاث عمليات فدائية نفذها شبان فلسطينيون أدت إلى مقتل 10 مستوطنين، وإصابة ثمانية آخرين.
تصريحات "بن غفير" حول تنفيذ "السور الواقي 2" قوبلت بانتقادات شديدة اللهجة من الوسطَين السياسي والأمني الإسرائيلي، في حين ضجت مواقع التواصل الاجتماعي الإسرائيلية بتعليقات وردود "ساخرة" ضده.
ومن بين الانتقادات ما نقله موقع صحيفة "إسرائيل اليوم" عن قائد في شرطة الاحتلال قوله: "بن غفير لا يفهم ولا يحاول أن يفهم تداعيات تفوهاته".
فيما نقل الموقع عن القائد السابق لشرطة الاحتلال في القدس "آريي عميت": "لم يكن في يوم من الأيام وزير أمن داخلي يتكلم كثيرًا بهذا الشكل ويفعل القليل، ولا يفهم في القضايا الأمنية على هذا النحو".
ضحالة الواقع السياسي
ويرى الكاتب والمحلل السياسي، فراس ياغي، أن تصريحات "بن غفير" تُعبر عن ضحالة في الواقع السياسي لديه وأنه مُجرد أحاديث موجهة لمناصريه بهدف الطمأنة.
وأوضح ياغي في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن اتخاذ أي قرار بهذا الخصوص يحتاج إلى موافقة من "الكابينيت" الإسرائيلي، لذلك هذه التصريحات لا تعبر عن سياسي ناضج، مشيرًا إلى أن كل ما يطرحه لا يتوافق مع القوانين والسياسة الداخلية في (إسرائيل).
وقال: إن "هذه المسألة أمنية وتُبحث لدى جهاز أمن الاحتلال لكيفية التعامل مع الأحياء الفلسطينية، ولا سيما أنه لا يريد اتخاذ خطوات تُشعل جميع الأحياء في القدس مرّة واحدة، مما تنعكس على الأوضاع في الضفة وغزة".
وعدّ تعالي أصوات المعارضة ضد "بن غفير" دليلًا على وجود "شرخ كبير في النظام السياسي الإسرائيلي حتى داخل الائتلاف الحكومي الذين ينظرون له ولوزير المالية بتسلئيل لسموتريتش أنهم أولاد في السياسة ولا يفقهون فيها".
ولم يستبعد أن يصّعد الاحتلال خطواته إذا استمرت الأحداث في القدس على هذه الشاكلة، منبّهًا إلى أن جهاز أمن الاحتلال يخالف تصريحات "بن غفير" خشية الوصول إلى تصعيد شامل يمتد لبقية الضفة وغزة.
وأضاف ياغي أن هناك حالة من تعاظم المقاومة والحالة الشعبية في القدس وفرض قواعد جديدة مع الاحتلال، تغذيها المقاومة في غزة التي خاضت معركة "سيف القدس" في مايو/ أيار 2021.
لا تُطبق
وفي الإطار ذاته، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي محمد هلسة، إن تصريحات "بن غفير" هي نوع من الهرطقة التي لا ترقى للفهم السياسي، وهو ما دفع المجتمع الإسرائيلي للسخرية منه.
ورأى هلسة في حديث لصحيفة "فلسطين"، أن "هذه الدعوة لا يمكن تطبيقها، إذ جاء "بن غفير" بفقاعة الأمن وهو لا يملك إلا استمرار إثارة الضجة فقط"، لافتًا إلى أن تصريحاته لم تلقَ آذانًا صاغية حتى في المجتمع الإسرائيلي.
وأضاف أن المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين يدركون أن ملاحقة العمل الفردي لا تأتي بهذه الصورة لكونها غير منظمة.
اقرأ أيضاً: تقرير هل يكرر الاحتلال سيناريو عملية "السور الواقي" في جنين؟
وبيّن أن حالة المقاومة تتصاعد في القدس مع عجز الاحتلال للسيطرة عليها أو إنهائها، خاصة في ظل زيادة حالة الوعي لدى الشباب الفلسطيني ورفضه للممارسات الإسرائيلية العنصرية.
وأشار هلسة إلى أن القدس تعيش حالة من التغول الإسرائيلي والإقصاء بسلسلة من القوانين العنصرية ومحاولات البحث عن هوية إسرائيلية على أنقاض الهوية العربية والإسلامية، تحت مبرر وجود الهيكل المزعوم.
ولفت إلى أن ردة فعل المقدسيين بعد سلسلة طويلة من عمليات التهجير والإقصاء والقرارات العنصرية تأتي لتحطم هذه المساعي الإسرائيلية باتجاه محو وطمس الهوية العربية في القدس.
أما المختص في الشأن الإسرائيلي رجائي الكركي، فيرى أن "بن غفير" يعيد شخصية أفيغدور ليبرمان الذي تولى وزارة جيش الاحتلال وتوعد المقاومة وخرج "فارغ اليدين".
وقال الكركي لصحيفة "فلسطين": "مهما توعد بن غفير لا يستطيع تنفيذ شيء، لأن من يحكم دولة الاحتلال هي مؤسسة وليست فرد، وبعض قادة الجيش والدوائر في أمن الاحتلال رفضوا تصريحاته حول عملية السور الواقي 2".
وأوضح أن منظومة الاحتلال الأمنية باتت عاجزة أمام العمليات الفردية، التي تمثل تحديًا كبيرًا لها، مشيرًا إلى أنه يصعب عليها التنبؤ بالعمليات الفردية قبل حدوثها.
وبحسب رأيه، فإن تصاعد جرائم المستوطنين والاحتلال في مناطق الضفة سيعطي مؤشرًا للمستوى السياسي بإمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة، مستدلًا بتقرير صادر عن شعبة الاستخبارات في جيش الاحتلال قبل قرابة شهر.