سخر المستوى السياسي والإعلامي الإسرائيلي المعارض من تصريحات وزير الأمن القومي في حكومة المستوطنين إيتمار بن غفير، وتهكموا على جهله بعملية السور الواقي رقم "1"، التي كانت ضد الضفة الغربية وليست ضد القدس، وانتقدوا مطالبة "بن غفير" للشرطة بالقيام بمهمة عسكرية من اختصاص الجيش، لقد كان نقد المعارضة ووسائل الإعلام موجهًا للطريقة التي سينفذ بها "بن غفير" عملية السور الواقي، وانتقدوا تفرد "بن غفير" بقرار عسكري، يستوجب الدراسة والمباغتة والاستعداد، ويستوجب قبل كل شيء موافقة المستوى السياسي على عمل عسكري بهذا الحجم، نقد المعارضة مس الشكل لتصريحات بن غفير، دون أن يمس جوهر التهديد، ودون أن يعترض أحدهم على الفكرة، فكرة اقتحام القدس، ولم ينتقد مسؤول إسرائيلي مضمون تهديد بن غفير بهدم أركان الوجود الفلسطيني في القدس.
القدس محط أطماع كل الإسرائيليين على مختلف مشاربهم الفكرية والسياسية والتنظيمية والحزبية، والقدس نقطة استقطاب التعاطف الشعبي مع الأحزاب الإسرائيلية، وهذا ما يدركه بن غفير، وقد أسهمت شعاراته المتطرفة ضد القدس، واقتحامه للمسجد الأقصى في وصوله إلى منصب وزير الأمن القومي، لذلك يرى بن غفير نفسه قائداً يمثل العقيدة اليهودية، قبل أن يمثل حزباً سياسياً، وأفكاره بشأن القدس والمسجد الأقصى لا تمثل مواقفه، بمقدار ما تمثل أيديولوجية الحزب الذي يحمل اسم "العظمة اليهودية"، ولا عظمة يهودية دون بناء جبل الهيكل المزعوم بديلاً عن المسجد الأقصى، ولا يتحقق ذلك دون تضييق سبل العيش على العربي الساكن في مدينة القدس، وإشغاله بنفسه.
بن غفير وزير في حكومة يمينية متطرفة، وتهديداته باقتحام الأحياء العربية في مدينة القدس لا تبتعد كثيراً عن تهديده باقتحام المسجد الأقصى، والتضييق على حياة الأسرى، وتسليح المستوطنين، وتشجيع قتل الفلسطينيين، وهدم البيوت، والطرد، والتوسع الاستيطاني، وكل هذا يندرج ضمن سياسة الحكومة الإسرائيلية، التي حظيت بالأغلبية المطلقة في الانتخابات الأخيرة، لذلك فالقدس في عين العاصفة، والهجوم عليها، والانقضاض على مقومات صمودها خطوة إسرائيلية قائمة، تسبق شهر رمضان الذي سيشهد مواجهات عنيفة وفق تقدير الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، بحكم موافقة الأعياد الدينية الإسرائيلية مع شهر رمضان المبارك.
وإذا سخرت المعارضة الإسرائيلية ووسائل الإعلام من تهديد بن غفير باقتحام القدس، فعلى الجماهير العربية في الضفة الغربية وغزة وفلسطيني 48 ألا تسخر من هذه التهديدات، وأن تأخذها على محمل الجد، وأن تستعد للمواجهة منذ اللحظة، فاستهداف الأحياء الفلسطينية في القدس هو المقدمة لاستهداف المسجد الأقصى، وهو المقدمة لإثارة الرعب والخوف في نفوس الفلسطينيين في كل مكان، وإذا اكتفى الفلسطينيون بالتفرج على اقتحام القدس، وإصدار بيانات الشجب والإدانة، فذلك يعني أن بن غفير قد حصل على الضوء الأخضر لمواصلة مشروعه في تهويد المسجد الأقصى، وكسر شوكة المقاومة للمشروع الصهيوني.
تهديدات بن غفير للقدس لا تبرئ رام الله ونابلس وجنين والخليل، ولا تغمض العين عن الأطماع الإسرائيلية في أرض الضفة الغربية، والتهديدات ضد القدس لا تعني استثناء غزة من التدمير والتصفية، وتكفي الإشارة هنا إلى أن أحاديث المفكرين والمحللين السياسيين الإسرائيليين قد توافقت كلها -بعد عملية الدهس البطولية في القدس- على أن: غزة هي مصدر التحريض على عمليات المقاومة، وأن غزة هي رأس الأفعى، وعليه يجب تصفية قادة قطاع غزة، ولا مفر من عملية عسكرية ضد قطاع غزة، وأن حركة حماس في غزة هي المحرض الأول والأساسي لما يحدث في الضفة الغربية.
تحميل المسؤولية لغزة وأهلها يفتح أبواب التصعيد على كل الاحتمالات.