فلسطين أون لاين

تقرير تصاعد الهدم بالقدس.. عائلات تفقد المأوى وتعيش "نكبة التهجير"

...
صورة أرشيفية
القدس المحتلة-غزة/ يحيى اليعقوبي:

كان يبكي بلا دموع، ويحترق قلبه ألمًا من الداخل، في كل مرة تضرب فيها أسنان الجرافة منزله لتحدث ثقوبًا فيه وتقطع أوصاله ليختل معها توازن البيت. 

يقف صلاح قنبر وما "باليد حيلة"، يرى شقاء عمره يتهاوى أمامه، بعدما أجبرته سلطات الاحتلال على هدمه ذاتيًّا في بلدة جبل المكبر جنوب شرق القدس المحتلة، يوم الرابع من فبراير/شباط الجاري، بزعم البناء "دون ترخيص".

اقرأ أيضًا: وفد دبلوماسي أوروبي يتفقد أحياء مهددة بالهدم بالقدس

بدأت رحلة قنبر مع بلدية الاحتلال عام 2014 عندما سلمته أمر هدم لمنزله، البالغ مساحته 90 مترًا مربعًا يقطن فيه 10 أفراد منهم أطفال، كما غرّمته مخالفات مالية تجاوزت 200 ألف شيقل.

عائلات فقدت المأوى 

بصوت مقهور يقول قنبر لصحيفة "فلسطين" عن هدم المنزل: "هو أصعب شيء، يترك غصة في القلب، أطلب العوض من الله، خسرت نحو نصف مليون شيقل، وهدمتُه بنفسي حتى لا يأتي مستوطن ويسكنه".

قبل شهر وصله أمر هدم المنزل، وفي الأيام الأخيرة من يناير الماضي، سلّمته سلطات الاحتلال أمر إخلاء، ولدى قنبر مشكلتان الأولى: مع بلدية الاحتلال بالقدس التي تسعى لهدم المنزل والثانية: مع المستوطنين إذ يسعون للاستيلاء عليه بفرض أمر إخلاء. يردف بلهجة عامية: "لو بخسر حياتي، ما بخلي مستوطن يعدي عتبة الدار".

تزوره نبرات القهر مرة أخرى، وهذه المرة قالها بصوت مدوٍّ ينظر لمصيره المجهول: "أصبحت بلا مأوى، ليس لدي خيار سوى استئجار منزل، وثمن الاستئجار لا يقل عن 3 آلاف شيقل، لا أعرف ماذا أفعل؟".

وبالطريقة ذاتها، أجبرت بلدية الاحتلال قريبه حسين قنبر على هدم منزله قسرًا في حي رأس العامود، في 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، وإلا كان عليه تحمل تكلفة عملية الهدم لموظفي البلدية، بقيمة تصل لنحو 80 ألف شيقل. 

والهدم في القدس، يمثل بداية حياة مهددة بشبح التشرد والتهجير في أيّ لحظة، وهي مرحلة يمر بها الآن عماد الخطيب الذي أمهلته سلطات الاحتلال حتى السابع من ديسمبر/ كانون الأول الماضي لإخلاء بنايتهم المكونة من أربعة طوابق تتضمن 10 شقق سكنية ويسكنها نحو 100 شخص، في بلدة سلوان.

ووضعت محكمة الاحتلال شرطًا أمام العائلات، يصفه الخطيب بـ"التعجيزي"، إذ طلبت منهم الحصول على ترخيص، وتوفير مخطط تنظيم جديد للعمارة يمتد على مساحة خمسة دونمات، إذ سيُستقطع 3 دونمات للمنفعة عامة، ودونمان لصالح العمارة.

يقول الخطيب لصحيفة "فلسطين" بصوت يلتصق به خوف وقلق: "وجدنا أحد الجيران لديه أرض كبيرة، وتبرع بقطعة أرض وهذا لم يتوقعه الاحتلال وصممنا مشروعًا تفصيليًا جديدًا، وقدمناه لبلدية الاحتلال وحصلنا على تمديد تجميد هدم ثلاثة أشهر، لكننا نعيش بخطر وقلق إلى أن نحصل على تراخيص رسمية حسب مزاعمهم".

وفي عام 2022، بلغ عدد عمليات الهدم والتجريف في محافظة القدس 306 عمليات، منها 160 عملية هدم بآليات وطواقم الاحتلال، و98 عملية هدم قسري ذاتي، إضافة إلى 48 عملية حفر وتجريف نفّذتها آليات الاحتلال.

انفجار قريب

وصعدت حكومة المستوطنين الفاشية جرائم الهدم منذ بداية العام الجاري، التي بلغت في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، 31 وحدة سكنية، كما يقول رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي.

ويرى الهدمي في حديثه لصحيفة "فلسطين"، أنّ الاحتلال يريد فرض أمر واقع على المقدسيين بزيادة إجرامه، وكسر شوكة المقدسيين وتشريدهم، وصولًا إلى فرض سيطرته عليهم.

وأضاف: "نتحدث عن تشريد 31 عائلة في البرد القارس والظروف الصعبة، ما يعبر عن إجرام الاحتلال وعدم إنسانيته، وإصراره على معاقبة الشعب الفلسطيني".

اقرأ أيضًا: 18 ألف منزل مهدد بالهدم بالقدس المحتلة

وأمام استمرار حكومة المستوطنين الفاشية في تنفيذ جرائمها، فإنّ هذا سيدفع بالشعب الفلسطيني، وفق الهدمي، للانفجار وعدم رفع الراية البيضاء، متوقعًا، أن يصل تأثير الانفجار الشعبي لكل فلسطين بشكل غير مسبوق.

وحدد أسباب عديدة لذلك، أولها: انعدام الأفق السياسي لأيّ أمل بحلّ القضية، والفساد المستشري بالسلطة التي أصبحت تتعامل مع الاحتلال علنيًّا، ووجود ملفات على قائمة جرائم الاحتلال منها ملف حي "الشيخ جراح"، وقضية ما يعرف بـ "البيوت غير المرخصة" في مناطق: الطور، وسلوان، وصور باهر، وجبل المكبر، معرضة للهدم.

ويُعتقد أنّ ملف المسجد الأقصى سيكون الأكثر حساسية لأنّ الاحتلال يريد حسم معركته، كما فعل بحسم ملف الوصاية الأردنية عبر محاولة منع السفير الأردني من دخول المسجد، مضيفًا أنّ "التوتر سيزيد في شهر رمضان".

وقال الناشط المقدسي فخري أبو دياب: "نرى واضحًا تكثيف وتصاعد عمليات الهدم والتهجير من قبل حكومة الاحتلال المتطرفة، وهذا مؤشر لما ستكون عليه الأيام والشهور القادمة من زيادة في الهدم، بهدف تفريغ المدينة المقدسة".

وأضاف أبو دياب لصحيفة "فلسطين" أنّ "الاحتلال يهدف لإلهاء الناس بأمورهم الحياتية، في محاولة للحدّ من تصديهم لسياساته التهويدية، ودفعهم للبحث عن أماكن أخرى".

ويتخوف الناشط المقدسي من انتقال الاحتلال من الهدم الفردي للهدم الجماعي و"التطهير العرقي" نتيجة عدم وجود من يردعه، وبالتالي ينتظر المقدسيون قدوم الجرافات وتفرُّد الاحتلال بهم، أمام عدم وجود مؤسسات لتمكينهم وغياب السلطة.

ولفت إلى أنّ الهدم يُفقد الناس المأوى، كأصعب أنواع العقوبات أن يفقدوا أموالهم ومنازلهم، في ظلّ الافتقار لإمكانية شراء عقارات جديدة.