لم تعد المستعمرة تحظى بما كانت عليه خلال عشرات السنين من التضليل والكذب والافتراء، كان المجتمع الدولي بأغلبيته منحازاً لمشروع المستعمرة، ليس فقط بسبب دعم المجموعة الأوروبية لها وخاصة بريطانيا وفرنسا وألمانيا ومن بعدهم الولايات المتحدة الأمريكية، بل يعود الدعم لها لسببين جوهريين:
أولهما تعاطفاً مع مشكلة اليهود وما عانوه من النازية والفاشية والقيصرية، من اضطهاد وعنصرية في أوروبا.
وثانيهما الإعلام العربي الذي كان يرغب برمي اليهود إلى البحر، وأن المستعمرة محاطة بالبلدان العربية التي تسعى لتدميرها وإزالتها والبطش بها، وأن اليهود الإسرائيليين مجرد مدافعين عن أمنهم وحياتهم في مواجهة العداء العربي الإسلامي ضدهم، يتوسلون السلام والاستقرار، في حين هم غير ذلك.
بعد عام 1967، واحتلالهم ما تبقى لفلسطين، وسيطرتهم بالقوة على أراضي سيناء المصرية والجولان السوري، وممارستهم أقسى أنواع البطش والاضطهاد للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاثة: 1- أبناء منطقة الاحتلال الأولى عام 1948. 2- أبناء منطقة الاحتلال الثانية عام 1967. 3- أبناء اللاجئين في مخيمات التشرد والنفي، تغيرت الصورة تدريجياً ولو ببطء لمصلحة فلسطين وضد المستعمرة.
ما زالت المستعمرة تحظى بالمكانة والتحالف والأولوية لدى الولايات المتحدة وأوروبا، ولكن شعوبهم تمكنت من الفهم والإدراك وكشف حقيقة المستعمرة بصفتها مشروعا استعماريا توسعيا، ساعد على ذلك نضوج الوعي الفلسطيني في كيفية مخاطبة المجتمع الدولي، وبروز شخصيات إسرائيلية تتمتع بالمصداقية في رفضها للاحتلال، وتعاطفها مع معاناة الشعب الفلسطيني ومع تطلعاته نحو تحقيق المساواة في مناطق 48، وتحقيق الاستقلال في مناطق 67.
طلبة كلية الحقوق في جامعة هارفرد، خرجوا من قاعة المحاضرات حينما دخل سفير المستعمرة وبدأ يُلقي محاضرته عن شرعية المستوطنات في القدس والضفة الفلسطينية، خرجوا جميعهم بما فيهم الطلبة اليهود احتجاجاً على وجود السفير المدعو من قبل إدارة الكلية في الجامعة، كان الطلبة يستمعون لمحاضرة من ضيف آخر قبل دخول سفير المستعمرة، واستمعوا للضيف باهتمام وأثنوا على محاضرته بالتصفيق، وحينما أتى السفير، رفعوا في وجهه اليافطات الفردية الصغيرة المعدة سلفاً: ضد الاحتلال، ضد الأبارتهايد، وشعارات مختلفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني تعكس وعي الطلبة وكشفهم لحقيقة المستعمرة، ورفضاً لسلوكها وسياساتها.
منظمة كسر الصمت الإسرائيلية، انتقدت عبر مؤسسها يهودا شاؤول، صمت أوروبا نحو حكومة نتنياهو وبرنامجها الاستعماري التوسعي في العمل على:
1- تهويد القدس وعبرنتها وأسرلتها، بالاستيطان وهدم بيوت الفلسطينيين وترحيلهم.
2- توسيع الاستيطان في الضفة الفلسطينية وتمزيقها وجعلها طاردة لشعبها وأهلها وأصحابها.
في باريس قال شاؤول في لقاء مع الصحفيين إن صمت أوروبا بشأن سياسة حكومة المستعمرة وجرائمها، غير مقبول، ويفتقد للنزاهة.
أحداث بسيطة ووقائع متواضعة ولكنها تؤكد أن تحولات جارية تدريجية لصالح فلسطين ضد المستعمرة تجتاح مجتمعات أوروبا والولايات المتحدة.
صمود الفلسطينيين في وطنهم وعلى أرضهم ضرورة، ولكنهم يحتاجون للدعم والتضامن والإسناد لنضالهم ضد الاحتلال المتفوق، ومظاهر الاحتجاج في الجامعات الأوروبية والأميركية، ولدى القوى الديمقراطية التقدمية روافع معنوية للفلسطينيين، ستعطي نتائجها مع استمرار النضال والوعي، وكما يقول البسطاء لا يصح إلا الصحيح، والتضليل والكذب والعنصرية الإسرائيلية وألاعيبها ستنكشف، وسيدفعون الثمن بالهزيمة والاندحار مهما تأخر الوقت.