بدا وليام بيرنز رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) متشائما في نبوءاته المتعلقة بما اصطلح عليه أمريكيًّا منطقة الشرق الأوسط (غرب آسيا والعالم العربي) بعد أن حذر من اندلاع انتفاضة ثالثة، قائلا لمستضيفيه في جامعة جورج تاون في واشنطن، الخميس الفائت: إن "المحادثات التي أجريتها مع القادة أبقت تخوفات لدي، وكنت دبلوماسيا رفيعا في أثناء الانتفاضة الثانية، وأنا قلق، مثل زملائي في أجهزة الاستخبارات؛ فنحن نرى تذكيراً غير مفرح لعدد من الوقائع التي شاهدناها في حينه. وجزء من مسؤولية الـCIA هو العمل من قرب بقدر الإمكان مع أجهزة أمن الإسرائيلية والفلسطينية (التابعة للسلطة)، من أجل منع تفجر عنف كالذي شاهدنا مثله في الأسابيع الأخيرة. وكان هذا تحدياً كبيراً".
الجهود الأمريكية الكثيفة التي أطلقها الرئيس الأمريكي بايدن لاستعادة السيطرة وخفض التصعيد في المنطقة لم تفلح حتى اللحظة في وقف الهجمة الاستطانية المتوحشة في الضفة الغربية، التي تسير بالتوازي مع خطط لقوننة عملية التطهير العرقي للفلسطينيين في أراضي الـ48، التي يقودها سموتريتش وزير المالية في حكومة الاحتلال الفاشية، إلى جانب بن غفير وزير الأمن القومي، ورئيس الوزراء نتنياهو.
فالهجمة الفاشية لحكومة الاحتلال لتنفيذ أجندتها الاستيطانية والعنصرية وعمليات القمع المتصاعدة لم تفلح في قمع الشعب الفلسطيني، بل غذت إرادته للمقاومة الفلسطينية والتحرر، كما أن الجهود الأمريكية الدبلوماسية والاستخبارية والاقتصادية والأمنية في الإقليم لم تفلح في قمع إرادة التحرر والمقاومة للشعب الفلسطيني، في مقابل عجز أمريكي عن اتخاذ أي إجراءات عقابية أو رادعة لحليفها الفاشي في الإقليم، الكيان الإسرائيلي.
محاضرة وليام بيرنز تؤكد فقدان الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة على الأرض في فلسطين المحتلة والإقليم، وهو ما عبر عنه بيرنز بقوله: "الدرس الأكبر الذي تعلمته من سنواتي في الشرق الأوسط هو التواضع. وكنا في أحيان متقاربة جدا نعتقد أن بإمكاننا تغيير منطقة في العالم دون أن نفهمها جيدًا دائمًا. وهذا ليس ادعاء ضد تجربة الولايات المتحدة في ممارسة تأثيرها. وربما بإمكاننا الانفصال عن الشرق الأوسط، لكن لهذه المنطقة صفة سيئة بإبقائنا ضالعين فيها".
نبوءات بيرنز وإحباطاته لم تقتصر على ما يطلق عليه أمريكيا الشرق الأوسط، فالنبوءات أيضًا حول أوكرانيا والصراع مع روسيا خلال حديثه في جامعة جورج تاون، ونقلتها الصحفية في شبكة CBS أوليفيا غازيس عبر صفحتها في "تويتر" الخميس: "قال بيرنز إن الأشهر الستة المقبلة ستكون حرجة.. وإن روسيا تعتمد على الإرهاق السياسي للغرب... وإن واشنطن لا تعتقد أن موسكو جادة في التفاوض على تسوية".
في المحصلة النهائية إن ما يظنه بيرنز محبطاً ومثيراً للقلق يُعد فلسطينياً مصدراً للتفاؤل والأمل بالتحرر من الاحتلال؛ تكون بدايته انتفاضة ثالثة وثورة مجيدة على الأرض، الأمر الذي بقي مختبئا في ثنايا محاضرة بيرنز التي تستحق التوثيق الدقيق لمحتواها وبنيتها، فهي نافذة على ما يدور في الدولة العميقة في أمريكا، وليس فقط ما يدور في عقل الرئيس بايدن.