الخوف من المجهول، هذا هو العقاب القاسي الذي يربك حياة الإنسان، فالخائف من قادم الأيام يعيش القلق بمعانيه الغريبة والمربكة، القلق الذي يفرز التوتر الحزين، والتقلب يميناً وشمالاً دون وعي، والتحسب لشر مستطير، والإنسان القلق يسيء الظن بكل شيء، وينتظر الأسوأ، فهو مسكون بالرعب من المجهول، له قلب يخفق، وعينان لا تنامان، وأعصاب ثائرة منفعلة على مدار الساعة.
الخوف من المجهول سكن قلوب سكان منطقة شرق البحر المتوسط، ولاسيما بعد زلزال تركيا وسوريا، وبعد مشاهدة الناس المنكوبة، وأحوالها التي تخلع الروح، وتحطم الفؤاد، مشاهد تثير الخوف والفزع من المجهول، ومما تخبئه لنا الأيام من أحداث، ومما يختبئ لنا من مفاجآت خلف الدقائق والثواني، فالمجهول غريب ومخيف.
وقد زاد طين المنطقة بلة حدثان:
الأول: البيان الصادر عن هيئة رصد الزلازل الأمريكية، وفيه يحذر سكان فلسطين والأردن من وقوع زلزال مدمر، ولا سيما بعد حركة صفائح الأرض، من جراء الزلزال الذي ضرب تركيا، حيث رُصدت موجات ضغط عالية جدًّا في الأرض، لم تُسجل من قبل.
فكيف يأخذ الناس حذرهم من زلزال؟ هل ينامون في الشوارع والمناطق الخالية أو يختبئون تحت اللحاف، وهم يرتجفون من العاصفة، ويتوقعون في كل ثانية أن تميد بهم الأرض، ويفارقوا الأحبة، ويحتضنهم المجهول؟
الثاني: ترافقت مع التحذير الأمريكي لرصد الزلازل هزة أرضية شعر بها سكان نابلس وطولكرم وجنين، وخرج آلاف الناس من سكان نابلس إلى الشوارع، بعد منتصف الليل، تحسباً لزلزال يشبه الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، وهذه ردة فعل عفوية، لا يلام عليها الإنسان، فهو حريص على حياته، ويجتهد في الدفاع عن بقائه على هذه الأرض.
ضمن هذه المشاهد من الخوف والترقب، تطل علينا من شقوق الخوف والقلق آية قرآنية، تقول للإنسان:
"قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا"
آية لا تدعو إلى التواكل، بقدر ما تجيب عن السؤال الحائر: ماذا نفعل وقت الزلازل؟ وكيف نتقي خطرها؟ والكثير من التساؤلات العاجزة، التي تقلب حياة الإنسان من الهدوء إلى الاضطراب.
قل لن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم، فمن له حياة لن ينتزعها زلزال، ولن تدمرها القذائف، ومن جاء أجله لن تحميه الحصون المشيدة، ولا الاحتياطات الأمنية المشددة، ولن يشفع له الحذر، وقد يكون الشعب الفلسطيني صاحب تجربة في هذا الشأن، وقد شاهد القذائف الإسرائيلية تصيب هذا الذي التجأ إلى بيته طلباً للسلامة، وتخطئ ذاك الذي تصدى بصدره للسلاح.
وما أحوجنا نحن البشر في وقت الشدائد إلى الاستسلام للأقدار، وطرد الخوف، وألا نحلق في الخيال مع مناظر الدمار والجوع والبرد والفراق!
وما أحوجنا نحن البشر أن نغمض العين على آيتين من القرآن، تهمس في قلوبنا: "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ"، آيتان من القرآن، نبيت معها آمنين، ونحن نضع الرأس على الوسادة، بعد أن أوكلنا أمرنا إلى الخالق، وهذا الشعور بالتوكل خير ألف مرة من العيش في قلق وفزع، والترقب لشر لا يراه الإنسان، ولا يستطيع تقديره، ولا يقدر على مواجهته.