فلسطين أون لاين

رسائل الزلزلة!

 1. الزلزلة اختلال شديد في نمط النظام ينتج عنه رجفة وارتجاج وخسف وخراب، وهي كثيرة الحدوث دائمة القلق، ولا يشعر بها المرء إلا إذا بلغت حدّها الذي استطاع الإنسان قياسه.

2. وهي آية عظيمة شديدة من آيات الله ينذر بها عباده، ويريهم بها قدرته على جميع خلقه، حتى إنها تكاد تحدّث كل شاهد لها وناظرٍ عن ذلك بعين الواقع.  

3. ومن مظاهر العظمة فيها أن الجبال على أوتادها، وصفائح الأرض على صلابتها تخضع لآياته وتستسلم لقهره وإرادته، فما بالك بهذا الإنسان الذي يتعالى ويتكبّر !: {إنّ الله يمسك السّماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنّه كان حليمًا غفورًا}.

4. ورغم أن الإنسان بات يعرف أسباب الزلزلة إلا أن معرفته لا تقوده إلى إدارتها أو توقّع ميقات حدوثها.

5. وهذه الآية العظيمة هي واحدة من أنواع العذاب الجماعيّ، وهي في الوقت ذاته واحدة من أقوى أسباب التغيير المادي والمعنويّ في أي مجتمع تستهدفه الزلزلة نظراً للذهول الذي يصيب كل أحد نتيجة أفعال هذه الآية: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير * لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحبّ كلّ مختال فخور).

6. إنّ السلوك فيما بعد هذه الآية يجب أن يكون مختلفاً عما قبلها فكراً وتخطيطاً ومبادرة وعملاً، وفي عهد عمر - رضي الله عنه - زلزلت المدينة، فقال: (يا أيها الناس، ما هذا؟ ما أسرع ما أحْدثتم، لئن عادت لا أساكنكم فيها) ، وإن لم يتغير حال الناس وسلوكهم، واستأنفوا سلوكهم القديم كان ذلك من الطغيان والفساد العريض الناجم عن النكران والجحود: (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون). 

7. وإذا كانت الزلزلة آية لأقوام في جغرافيات مشهورة بحدوثها، فإن آيات الله العظيمة الأخرى فيها عبرة لأقوام غيرهم في جغرافيات تناسب مواضعهم، وكل هذه الآيات من زلازل وبراكين وطوفان وكوارث تدبير من الله ذي الجبروت والملكوت؛ ولكن الزلزلة العظيمة التي ستشمل كل جغرافيات الأرض فتنهدّ الجبال وتتشقق طبقات الأرض ستطوي كل الإنذارات والاختبارات العامة. 

8. إن مكر الله لا يُؤمَن، ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، والمكر الإلهي منذرٌ بوجوب المراجعة، وهذا واجب في حق كل من أصابه العذاب الجماعي، أو تناهى إلى علمه وقوعه، وأدرك الرسالة من نزول هذه الآيات بالناس، وألا يغفل حتى تتكرر عليه، وتنهي دوره: (وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون). 

9. وبما أن المصيبة قدر من أقدار الله فإن واجب المؤمن أن يجعلها سبباً لهدى قلبه، واستقرار إيمانه، والثقة بمنهاجه: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤْمن بالله يهْد قلْبه والله بكلّ شيْء عليم).

10. إن رسائل الزلزال إنما تبدأ بتغيير القلوب للأفراد والجماعات، وإعادة توجيه نياتها وأهدافها، وتتحول إلى سلوك يغير كل شيء لاستئناف حياة جديدة برؤية جديدة لا تنظر إلى الخلف إلا بقدر الاستفادة من تجاربه.

11. هذه الآيات تعيد الإنسان تذكيره بمسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الناس وتجاه الأرض التي كلف بعمارتها، فليحرص الإنسان على فهم هذه النِّذارة الإلهية.