في الوقت الذي تشهد فيه دولة الاحتلال حالة متصاعدة من الاستقطابات الداخلية غير المسبوقة، فإن المطبّعين العرب يتسارعون لمنحها الغطاء الإقليمي الذي تحتاج إليه، بما يجعل موقعها أكثر تعزيزًا في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية.
وفيما تعيش ذات دولة الاحتلال حالة من الفوضى المتفاقمة، وتبادل الاتهامات بصورة طفولية بين قادة معسكراتها الحزبية، فإن ذات المطبّعين العرب الذين يفتقرون للخبرة السياسية الحقة، يساهمون في تسويق هذه الحكومة الفاشية اليمينية في تل أبيب، بعد أن باتت موازية في الرأي العام الدولي للدكتاتوريات السائدة في بولندا وهنغاريا، فضلا عما تجسّده من نظام فصل عنصري يحاكي تجربة جنوب أفريقيا البائدة.
وحين يتسارع الاقتصاديون الإسرائيليون لتحذير الحكومة من أضرار متزايدة لا رجعة فيها للدورة الاقتصادية، وتدهور متصاعد في علاقاتها الخارجية بسبب ما تقوم به من "انقلاب" قضائي، يتطوع هؤلاء المطبّعون لإفساح المجال أمام الاحتلال لتنفيذ مشاريعه الاقتصادية والاستثمارية على حساب الاقتصادات العربية التي تعاني مزيدا من التضخم والبطالة.
الغريب أنه بينما تعبر أوساط إسرائيلية متزايدة عن شعورها بخيبة أمل كبيرة من نتائج الانتخابات الأخيرة التي منح فيها الناخبون نتنياهو وشركائه في اليمين أغلبية ساحقة، فإن المطبّعين يشعرون بنشوة مستنكرة من فوز هذا المعسكر الفاشي، وباتوا يشكلون له مظلة سياسية في المنطقة، والادعاء أن الاحتلال دولة ديمقراطية، رغم أن الواقع الكارثي فيها أقوى من أي حملة تسويقية دعائية.
الحقائق الدامغة رغم مزاعم المطبّعين أن التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال بات في خطر، ولم يعد مستقرًا، في ضوء كثرة الالتماسات والخطابات والتهديدات من قوى المعارضة، والشيكل قد يواجه تحدّيا في قادم الأيام، وكذلك مؤشرات البورصة، والتخوف الإسرائيلي من تسونامي معارض كاسح الذي بات يكتسب زخمًا إقليميًا وعالميًا باستثناء المطبّعين.
جاء لافتا أنه بينما تشتعل المظاهرات الأسبوعية مساء كل سبت احتجاجا على حكومة اليمين، وانقلاباتها السياسية المتلاحقة، يتم افتتاح سفارات عربية وإسلامية في تل أبيب، وهما: أذربيجان وتشاد، فيما قام وزير الخارجية إيلي كوهين بزيارة السودان من أجل استكمال اتفاقات التطبيع، والترويج للتوقيع الرسمي لاتفاقية يصفها الاحتلال بأنها "تاريخية"، بزعم أنه يتفهم الفوائد السياسية والاقتصادية التي ستعود عليه من هذا التطبيع.
لم يقتصر الأمر على المعارضة الإسرائيلية الداخلية للحكومة اليمينية، بل إن جبهة أخرى يتم استثمار فيها الكثير من الجهد بإفساد العلاقة مع الولايات المتحدة، ولم تتورع إدارة بايدن في إعلان تجاهلها للحكومة، والإعراب عن مدى قلقه من الانقلاب القضائي، في حين أن المطبّعين لم يروا هذه التوترات الأمريكية الإسرائيلية، وغضّوا طرفهم عن العزلة الدولية التي تعانيها دولة الاحتلال، وأمعنوا في تطبيعهم المهين معها!