بلا خدمات أو طرق معبدة أو حقٍ في البناء والتعمير، يواجه أهالي قرية"الزويدين البدوية" شرق الضفة الغربية شظف العيش وقهر المستوطنين والاحتلال الإسرائيلي، الذي بات يخنق السكان من جميع الاتجاهات ويضغط عليهم ليجبرهم على ترك أراضيهم ليتمتع بها المستوطنون.
فالمعاناة لا توصف في "الزويدين" كما يبين فريد حمامدة أحد سكان القرية، "كنا نعاني طوال الوقت لكننا الآن أكثر معاناة بعد أن جاء مستوطنون وحاصرونا من الشرق والغرب، وسيّجوا الأراضي وجعلوها حكرًا على مواشيهم".
ويضيف: "كأنهم لم يشبعوا من معاناتنا طوال العقود الفائتة. نعيش هنا بلا خدمات، والآن يريدون ترحيلنا للاستيلاء على أرضنا".
ولم يستسلم سكان "الزويدين" للاستيطان الطارئ على أرضهم، إذ ينظمون احتجاجات ووقفات أسبوعية تجابَه إسرائيليًا بقمعٍ عنيف حتى وصل الحال بأحد قادة جيش الاحتلال إلى تهديدهم بإطلاق النار عليهم.
يقول حمامدة: "قال لنا لقد استعملتُ معكم الرحمة حتى الآن فلم أطلق عليكم سوى غاز مسيل للدموع لكن لو استمررتم بالاحتجاج فسترون ما لا يحمد عقباه".
فالمستوطنون ومواشيهم الطارئة على المنطقة يسرحون في المراعي التي كانت طوال السنين الفائتة مرعى لمواشي "قرية الزويدين" أما اليوم فلا يستطيعون الوصول إليها، "لقد اجتمع علينا هذا العام الجفاف والاستيطان وغلاء الأعلاف، نحن مهددون بخسارة مورد رزقنا الوحيد".
ديون وفقر
وتابع حمامدة: "باع بعض الأهالي جزءًا من أراضيهم ليوفروا ثمن الأعلاف لمواشيهم. أنا مثلًا كان لدي 120 رأس غنم نفقت فجأة، فاضطررتُ لاستدانة 40 ألف دينار لشراء مواشٍ جديدة وأخشى أن يتكرر لدي ما حدث مع جيراني".
المستوطنون الجدد يزيدون صعوبة الحياة في القرية، بعضهم يسكن قبالة منزل حمامدة الذي تلقى تحذيرًا منه جيش الاحتلال يمنعه من الاقتراب منه ولو مترًا واحدًا.
ويتابع: "نحن لم نستسلم لهؤلاء المستوطنين لكننا عزل بدون أي سند في مواجهة مستوطنين مدججين بالسلاح والمحميين بقوات الاحتلال".
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل إن غالبية بيوت أهالي القرية مهددة بالهدم، فمنذ 23 عامًا وآليات الاحتلال تلاحق حمامدة لهدم بيته، متسائلًا: "أيعقل أن يهدموا بيتي لأجل مستوطن طارئ على المنطقة بينما أنا ورثتُ هذه الأرض عن أجدادي الذين يملكونها من قبل قيام دولة الاحتلال".
والحياة في القرية، وفق حمامدة، كرٌّ وفرٌّ، "فأنا هنا أبني مخالفةً لقوانين الاحتلال، في سبعين مترًا لكي أؤوي أسرتي البالغ عددها أربعة عشر فردًا، يعيشون بدون كهرباء ولا ماء، وبالقرب من مستوطنة كرمل، بينما الطائرات بدون طيار ترصد كل حركة لي من السماء".
وتقع" قرية الزويدين" في السفوح الشرقية للبحر الميت وهي منطقة شبه صحراوية واعتماد السكان في المنطقة على تربية المواشي، وتجمع فيها السكان بعد أن أغلق الاحتلال الإسرائيلي المنطقة الشرقية من تلك السفوح كوادي الجرفان في عام 1973م بحجة أنها مناطق تدريب عسكري فلم يتبقَّ سوى قرابة 50 ألف دونم في الجزء الغربي منها، تقع فيها القرية.
يوضح أحد سكانها حسن بساسطة أن المنطقة ينقصها الخدمات فلا يوجد عيادة سوى مركز رعاية أولية عبارة عن غرفة واحدة منذ عام 1985م يكون بداخلها الطبيب ويبقى المراجعون في الخارج سواء في الشتاء القارس أو الحر الشديد، وهو كما هو منذ ذلك الحين.
مقومات الصمود
أما بالنسبة للمدارس ففيها مدرستان ثانويتان، واحدة للذكور والأخرى للإناث، (من الخامس وحتى التوجيهي) فمدرسة البنات فهي من "الزينقو" ولا يوجد فيها مرافق أو ساحات، حتى المختبرات العلمية توجد داخل "كونتينرات".
ويقول بساسطة: "لم تقدم السلطة على شق أي طريق زراعي في المنطقة رغم اتساع المكان، ورغم مطالبة سكانه بتسهيل الوصول إلى أراضيهم للوقوف في وجه الاستيطان الإسرائيلي".
ويلفت إلى أن "الزويدين" تضم 2500 نسمة، يحاصرهم منذ أربعة أشهر مستوطن من الجهة الجنوبية الشرقية ومن الجهة الجنوبية الغربية يوجد خمسة مستوطنين، أما الجهة الشرقية مغلقة كلها بحجة أنها مناطق إطلاق نار.
ويضيف: "انحصر السكان في مساحة لا تزيد على سبعة آلاف دونم، يمنع تحرك الفلسطينيين خارجها، بينما أوصلوا الماء والكهرباء وعبّدوا الطرق للمستوطن القاطن في الجهة الغربية حاليًا قبيل سكنه ووضع يده على ثلاثة آلاف دونم".
ويبدي سباسطة أسفه لكون دولة الاحتلال تهيئ للمستوطنين كل سبل الحياة قبيل وصولهم إلى المنطقة، أما المواطن الفلسطيني صاحب الأرض فهو يعيش دون أدنى خدمات منذ عشرات السنين.
وما يزيد ألمه أنه لا يوجد بيوت من الباطون سوى في مساحة 500 دونم مسموح بالبناء فيها، أما خارج تلك المساحة فالبيوت من الصفيح.
ويتابع بالقول: "وحتى الشارع الوحيد الذي يربط القرية بمدينة يطا وهو شريان الحياة بالنسبة له، فإن الاحتلال أصبح في الآونة الأخيرة يتعمد إغلاقه بسبب احتجاجات أهالي القرية على استيلاء المستوطنين على أراضيهم مؤخرًا حيث ينظمون تظاهرة في يوم السبت من كل أسبوع".
فضريبة الاحتجاج على اغتصاب الأرض هي "الخنق" ومنع الناس من الوصول إلى الخدمات حتى المرضى منهم، موضحًا فهم يريدون أن يضغطوا على السكان ولا يتركوا لهم سوى منفذ سوى جهة الشمال ليهجروا أراضيهم ويتوجهوا لـ "بني نعيم"".
ومضى سباسطة بالقول: "المستوطنون الجدد في المنطقة سيّجوها من ناحية الجنوب، ومنعوا تحركنا مترًا واحدًا خارجها، إذا ظل الوضع هكذا ففي خلال عامٍ واحد لن يتبقى لنا أي رأس ماشية وسنضطر إلى الهجرة".

