كان قيام وتكوين دولة الاحتلال الصهيوني على أرض فلسطين، بعملية غير طبيعية، بـ(غفلة من الزمن)، صنعتها المعادلات الدولية التي كانت سائدة في الصراع بين الأقطاب الكبرى في العالم، وعلى رأسها الغرب الأوروبي، والولايات المتحدة، والاتحاد السوفييتي السابق. 

ومن المنطقي، وفقًا لحيثيات قيامها، بكونها «دولة تجمّعية» لجماعات سكانية من قوميات مختلفة من أصقاع المعمورة، لا يربطها مع بعضها البعض سوى الديانة اليهودية، التي كانت حصان طروادة للتنظير لقيامها، وبناء أيديولوجية خرافية في إطار منظومة «الفكرة الصهيونية»، كان من الطبيعي والمنطقي أن تشهد هذه الدولة/ الكيان هزَّات متتالية بعد سنوات طويلة من قيامها، فالأسئلة تطرح الآن بقوة على الأنتجلنسيا اليهودية على أرض فلسطين بشأن الدولة/الكيان، ومصيرها ومستقبلها.. وقبل أيام قليلة، وفي تعقيبهم على ما يحدث من تحوُّلات متسارعة في (إسرائيل)، والصراعات بالشارع بين الكتل والمعسكرات الحزبية، وجَّه أكثر من مائة أكاديمي ومؤرخ (إسرائيلي) في الجامعات «الإسرائيلية» والأميركية انتقادات شديدة إلى حكومة بنيامين نتنياهو، على خلفية الاتفاقيات الائتلافية، وخطة إضعاف جهاز القضاء التي تصفها الحكومة بـ"الإصلاحات"، واتهموها «بتمثيل خطر على مجرد وجود (إسرائيل) والإسرائيليين. 

وجاء ذلك في عريضة نشرها موقع «نيوز 1» الإخباري يوم الأحد الواقع في 29/1/2023، كما قال المؤرخون في العريضة، وبالنصِّ الحرفي: إنه «منذ تشكيلها وفي سنواتها جاء إلى (إسرائيل) مهاجرون لثلاثة أسباب أساسية؛ لأنهم فروا من ملاحقات، ولأنهم سعوا إلى تحسين وضعهم الاقتصادي، ولأنهم بحثوا عن مكان يمنح حياتهم مضمونًا وجوديًّا وشعورًا بالانتماء، وتخضع جميع هذه الأهداف للتهديد حاليًّا».

إن تجليات تلك الحالة الداخلية «الإسرائيلية» واعتمالاتها، كما أفرزتها الدورات الانتخابية التشريعية للكنيست والمعادة في أربع سنوات، وخصوصًا الانتخابات التشريعية الخامسة الأخيرة التي حدثت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، نابعة من خلافات جدية بشأن مستقبل الكيان، وطبيعة النظام: علماني، أو ديني، أو خليط بينهما، وتعريف من هو اليهودي، ودور التوراة في الحياة اليومية والمجتمعية، والصراع بين العلمانية الليبرالية، والأصولية الدينية الشعبوية، ومبدأ فصل السلطات واستقلالها، وتقزيم دور القضاء وتهميشه،  في حين تبقى نظرية «الفاسدون والمتعصبون» التي رددها المتظاهرون مؤخرًا في (تل أبيب)، صحيحة، لكنها لا تفسر الأرضية المجتمعية والخلفيات التي يجري عليها الصراع في (إسرائيل)…إلخ. وفي هذا المسار من التفاعلات الداخلية بالمجتمع «الإسرائيلي»، إن ما يُردده البعض من المجتمع الصهيوني عن حرب أهلية أمرٌ مستبعد إلى مديات زمنية معيَّنة، وذلك لأن الخلافات بين المعسكرات الحزبية تدور بين يمين ديني متطرف ويمين قومي ليبرالي متطرف ويمين ليبرالي أقل تطرفًا، في دولة/ كيان عميقة تستند لمعادلات دولية وغطاء أميركي بلا حدود يوفر لها درجة من الاستقرار وحتى الحماية السياسية في المجتمع الدولي. 

إن الاحتمالات الواردة بشكلٍ مُرجَّح تتوقع أن تتوالى الهزات داخل المجتمع اليهودي على أرض فلسطين، فالمجتمع عندهم في نهاية الأمر، ليس كتلة ساكنة مانعة بل كتلة مُتحركة تتأثر بكل شيء في نهاية المطاف. خصوصًا في ظل وجود الثقافات الفرعية في (إسرائيل) (عرب، وأشكناز، وصابرا، وسفارديم… وعلمانيين ومتدينين… إلخ)، والتحوُّل الديموغرافي السكاني العربي حيث باتت أعداد الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية تزيد قليلًا على أعداد اليهود، وستكون هي الأعلى فلي السنوات التالية.