بينما كانت زخات الأمطار تنهمر بغزارة مع ساعات صباح أول من أمس استيقظ المواطن مصطفى مليحات على أصوات جرافات الاحتلال الإسرائيلي وهي تستعد لغرس أنيابها في أساسات منزله في قرية دوما جنوب نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة.
دون سابق إنذار، اقتحم عدد من جنود الاحتلال المدججين بالعتاد والأسلحة قرية دوما، وانتشروا في كل أروقتها، تمهيدًا لدخول الجرافات المخصصة لهدم منزلَي المواطنَين "مليحات"، ومحمد علي.
بين وصول الجرافات وخروج أفراد عائلة "مليحات" البالغ عددهم 17 فردًا إلى العراء، مرّت دقائق قليلة لكن ثقيلة، حتى أخذت الجرافات تغرز أنيابها الحديدية في أعلى سطح المنزل أمام أعين العائلة في مشهد "وحشي وعنصري" كما وصفه صاحب المنزل.
اقرأ أيضًا: تقرير الهدم المتكرر.. عدوان إسرائيلي يطال عائلة الأسير مطر
مع كل حجر يسقط من المنزل البالغة مساحته 200 متر مربع تهوي معه دقات قلب "مليحات" على منزله الذي بناه حجرًا فوق آخر خلال مدة تجاوزت الثلاث سنوات، حسبما يروي والغصّة ترافق صوته.
بالكاد يخرج صوت "مليحات" المُرهق وهو يقول بحسرة لصحيفة "فلسطين": "استغرق بناء البيت سنوات من عرق جبيني رغم قلة الأموال بحوزتي"، ثُم يضيف "لسة ما كمّلت أدفع حقه حتى الآن، والديون متراكمة عليّ".
وأوضح أنه قبل مدة قليلة أخطرته سلطات الاحتلال بهدم منزله بذريعة أنه مبني في المنطقة المصنفة "ج" (وفق اتفاق أوسلو المشؤوم بين منظمة التحرير والاحتلال)، لكنه لم يتوقع إقدامها على هدمه بهذه السرعة.
يستعيد "مليحات" قوّته بعدما أصبح البيت كومة حجارة والأثاث متناثر على الأرض، ليقول: "هذا إجراء تعسفي حاقد بكل ما تعنيه الكلمة، وهذه حكومة احتلالية نازية وأيامها مش مطولة بإذن الله".
وكانت قوات الاحتلال قد اقتحمت قرية دوما أول من أمس، ونفّذت جرائم هدم لمنازل ومنشآت سكنية وزراعية، وأعمال تجريف.
وفي إثر الاقتحام، اندلعت مواجهات بين أهالي القرية وقوات الاحتلال التي أطلقت الرصاص والقنابل الصوتية والغازية عليهم.
اقرأ أيضًا: الاحتلال يهدم منزلين جنوب نابلس
من ناحيته، أفاد رئيس مجلس قروي دوما سليمان دوابشة بأنّ سلطات الاحتلال سلّمت 150 إخطارًا للمواطنين، منها يتعلق بالهدم والإزالة وأخرى لوقف البناء.
وأكد دوابشة لـ"فلسطين" أنّ القرية أصبحت مستهدفة بالفعل من الاحتلال وما تسمى "الإدارة المدنية" التابعة له بشكل يومي، حيث لا يكاد يخلو يوم من اقتحام أو مداهمة لها، مشيرًا إلى أنّ قوات الاحتلال وضعت أبراج مراقبة من ثلاثة اتجاهات لمتابعة تحركات سكانها.
وأوضح أنّ القرية تقع في منطقة إستراتيجية وتُشكّل خاصرة مهمة للاحتلال كونها تطل على غور الأردن، ما يجعله يواصل جرائم الهدم وإزالة البيوت تمهيدًا للاستيلاء الكامل عليها.
وبيّن أنّ حكومة الاحتلال الجديدة تسير وفق منهجية عنصرية قائمة على زيادة الاستيطان والتطرف وهدم المنازل، ضمن سياسة "العقاب الجماعي" لتهجير أهالي القرى والبلدات التي تقع في مناطق إستراتيجية.
ويواجه أهالي دوما، البالغ عددهم نحو 3500 فرد، إخطارات بوقف البناء وهدم المنشآت، في الوقت الذي يخوضون فيه معركة قانونية مع الاحتلال لوقف هذه القرارات.
يُذكر أنّ قرية دوما مُحاطة من الغرب بمستوطنة "شيلو" ومن المنطقة الجنوبية بمعسكر "جبعيت"، ومن المنطقة الشرقية بمستوطنة "معاليه أدوميم"، ومن الجهة الغربية "شارع ألون".