ما من شك في أن المنطقة تعيش الآن حالة الهدوء الذي يسبق العاصفة عادة، مجزرة جنين جلبت ردًا فلسطينيًا انتقاميًا سريعًا. حكومة الاحتلال أبدت غضبًا وتشنجًا في ردها، الرد الصهيوني يتراكم بغرض تحقيق الردع، ولكن الوصول إلى الردع محال، بحكم تعقيدات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وغياب آفاق الحل، حكومة نتنياهو تعمل على توسيع العقوبات وتشديدها على أهالي المقاومين، منها هدم البيوت، وسحب الهوية الزرقاء، والطرد خارج القدس، وتوزيع السلاح على المستوطنين، وزيادة التسهيلات في إطلاق النار عند أدنى شبهة أو خوف، وهذه الإجراءات المتراكمة لن تجلب الردع.
في مصر ثمَّ من قال لـ(تل أبيب) : يمكننا ضبط الحالة عندما تتعلق بغزة، ولكن لا أحد يمكن ضبط التداعيات فيما يتعلق بالمسجد الأقصى، لجم تصرفات واقتحامات بن غفير ضرورية لكل الدول المطبعة مع (إسرائيل)، فيجدر بـ(تل أبيب) أن تتذكر أن الإمارات التي نددت بعملية القدس هي التي قدمت طلب عقد مجلس الأمن حين اقتحم بن غفير المسجد الأقصى.
المسجد الأقصى قنبلة مفخخة لا يمكن المساس بها، ومن يمس بها بغباء يفجّر المنطقة، ويضع التطبيع في الثلاجة.
حكومة نتنياهو- بن غفير في مواجهة ذاتية، وأخرى إستراتيجية، فهي إذا تبنت رؤية المتطرفين سموتريتش وبن غفير، أو سهلت لهما تنفيذ رؤيتهما فقدت ولا شك إستراتيجيتها القائمة على التطبيع، وبناء تحالف ضد نووي إيران، وإذا عرقلت إجراءات بن غفير وسموتريتش وقعت تحت تأثير غضبهما، الذي يهدد بقاء الحكومة واستقرارها.
لهذه القضايا جاءت قيادات أميركية (جيك سوليفان، وبلينكن، وبيرنز) إلى المنطقة لدراسة هذه الاحتمالات مع نتنياهو، واشتقاق الطريق المناسب، ولكن ما ماهية هذا الطريق؟
التصريحات الأميركية لم تشرح معالم الطريق، وحكومة نتنياهو لاذت بالغموض، وهذا يوجب التحليل والتخمين، وهنا يمكن أن نقول: إن من معالم هذا الطريق هو الضغط على عباس لمواصلة التنسيق الأمني، والاستعانة بعدد من الدول للتأثير في فصائل المقاومة، ومن معالمه أيضًا دعم ضربة إسرائيلية تحذيرية للعمق الإيراني.
(إسرائيل) ضربت في أصفهان، ومدن أخرى وسط البلاد، وكشفت عن ضعف إيران في حماية أجوائها، الأمر الذي يريح (تل أبيب)، ويشجع على ضربات جديدة.
إن مقاربة هذه المعطيات، وغياب أفق الحل لقضايا المنطقة يجعلنا نقول إن المنطقة تعيش حالة ما قبل العاصفة، وهل سيقف المتضررون من هذه الطريق صامتين أم سيكون لكل فعل ردة فعل؟