مثلت عملية بيت حنينا في القدس المحتلة بداية افتتاحية عهد حكومة الاحتلال الفاشية، لتوقع العملية عددًا من القتلى والجرحى في صفوف المستوطنين، ما عدَّ تحولًا واضحًا في عمليات المقاومة المندلعة منذ قرابة عام كامل، واستخدمت مختلف أنواع الأسلحة البيضاء والسيارات وإطلاق النار، وما طرح أسئلة تتعلق بإمكانية دخول هذه الموجة مرحلة جديدة، يفتح الباب واسعًا على فصل جديد من المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية، بين الفعل ورد الفعل.
مع العلم أنه منذ اندلاع الموجة الحالية من العمليات التي بدأت في مارس 2022، فقد جاء سمتها الأساسي ضد الإسرائيليين، جنودًا ومستوطنين، وأنها أتت فردية، ودوافع تنفيذها شخصية، ما دفع الإسرائيليين للتقدير أنها في معظمها لم تقف جهات منظمة خلفها على صعيد التخطيط العملياتي، مع تأكيد وجود دعم مالي وإسناد لوجستي لها.
وقد جاءت عملية بيت حنينا ضد المستوطنين بعد أقل من يوم واحد على تنفيذ الاحتلال لمجزرته الدموية ضد مخيم جنين، ليوقع عشرة شهداء بدم بارد وفي وضح النهار، ما جعل من هجوم القدس تطورًا طبيعيًا للرد على جرائم الاحتلال المتصاعدة، بحيث دفعت الشبان الفلسطينيين للتحرك الفوري اعتمادًا على السياسة العامة القائمة على مقاومة الاحتلال بكل السبل، دون انتظار أخذ إذن أو قرار من أحد.
لقد تسببت عملية القدس بذعر ساد الإسرائيليين، لأنها وقعت في ذروة استنفار أمني، وصدور تحذيرات إسرائيلية من تصعيد الفلسطينيين هجماتهم، وانتقالهم من عمليات الطعن والدهس الفردية لهجمات منظمة وأشد تأثيرًا، في ضوء ردود الفعل الفلسطينية المتوقعة ردًّا على الحكومة الفاشية في تل أبيب التي تتوعدهم، وتنشر التهديدات ضدهم.
كان من الطبيعي أن تحظى عملية القدس بترحيب ومباركة القوى الفلسطينية، ووصفها بالنتيجة المتوقعة لاستمرار قتل جيش الاحتلال للفلسطينيين، واقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى، وتأكيد استمرار المقاومة، وإعادة الصراع مع الاحتلال إلى مربعه الأول، مما يمثل انتكاسة إسرائيلية، ورفضًا فلسطينيًا لمحاولة سيطرة الاحتلال على واقعهم الميداني، ولا سيما في الضفة الغربية.
يبدو مبكرًا الحديث حول التخطيط والتنفيذ والدعم الذي حظي به الشهيد خيري علقم، منفذ العملية بالرغم من أن أمن الاحتلال بدأ على الفور البحث والتحري خلفه، مع أنه لا يمتلك سجلّا أمنيًا، مما يصعب الحصول على المعلومات الاستخبارية بشأن علاقاته واتصالاته، مع أن التقدير السائد فلسطينيًا وإسرائيليًا يذهب باتجاه صعوبة أن يخطط وينفذ ويعد لهذه العملية المحكمة بصورة فردية.
إن خطورة عملية بيت حنينا تتجاوز الثأر لمجزرة جنين، على مشروعية هذا الثأر، لكن التخطيط لها، من حيث اختيار زمانها ومكانها، بحاجة لمدة زمنية تتجاوز أيامًـا، وربما أسابيع، وتمثل حافزًا للفلسطينيين لتقليدها ومحاكاتها، ولا سيما وأن سلاحها المستخدم مسدس شخصي، يمكن حيازته بطريقة ما في الأراضي المحتلة.