أول مرة يفتقد الكثير من سكان قطاع غزة الأضحية، وتغيب عن بيوتهم بهجة العيد، وهذا الغياب وحده تضحية، فمع سنوات الحصار الإسرائيلي المتعمد، والرامي إلى إغراق أهل غزة في بحر من الأحزان حافظ سكان غزة على شعيرة عيد الأضحى، وأسالوا الدماء على أعتاب بيوتهم، حتى وقع عليهم مطلع هذا العام عقاب قيادة السلطة الفلسطينية، التي قصفت رواتب الموظفين، وقلصت ساعات وصل الكهرباء، ليمسي هذا العام هو الأصعب اقتصاديًّا على سكان قطاع غزة، الذين صمدوا، وتحدوا الحصار الإسرائيلي سنوات طوالًا.
لقد شعر سكان قطاع غزة أنهم الضحية في هذا العيد، وأن هنالك يدًا شيطانية تمتد إلى قوت يومهم، وإلى أساسيات حياتهم، وإلى مقومات صمودهم، وتضحي بهم خدمة لمصالح شخصية، أو مآرب سياسية ضيقة الأفق، ولاسيما أن حال الضفة الغربية والقدس السياسي لا يقل سوءًا عن حال غزة الاقتصادي، وحال الضفة الغربية الأمني مرعب ومخيف قياسًا بحال غزة الواثق، وحال القدس الحياتي في عيد الأضحى قلقٌ ومضطربٌ، فمن الجهة المستفيدة من التضحية بسكان قطاع غزة؟، ولمصلحة من تذبح غزة بسكين الرواتب؟، وإذا كانت التضحية هي التقرب إلى الله؛ فإن منطق السؤال يقول: لمن يتقرب من يضحي بسكان قطاع غزة؟
أيام عيد عصيبة تمر على سكان قطاع غزة، ضائقة مالية تضرب عصب حياتهم، ومع ذلك ستجد أهل غزة في يوم العيد أكثر أملًا، وأشد عزمًا، وأعمق رجاءً بأن القادم من الأيام أجمل، وأن الأخبار التي حملت لهم الإجراءات العقابية ضد أطفالهم هي نفسها الأخبار التي ستحمل لهم قريبًا بشائر الخلاص من الظلم والقهر، ومن إرهاب القرارات التعسفية، فالحياة على هذه الأرض متغيرة، وما هو ضيق اليوم سيكون واسعًا غدًا، ومن يتجبر اليوم سيصغر غدًا، ومن لا يمتلك ثمن الأضحية في هذا العيد سيمتلك ثمنها في الأعياد القادمة، وكل عام وأنتم بخير.