فلسطين أون لاين

القضية الفلسطينية بين بيفن وغوتيريش

إثر فشل مؤتمر لندن في دورته الثانية لإقرار مشروع بيفن عام 1947م أعلن "أرنست بيفن" وزير الخارجية البريطانية في الجلسة الختامية للمؤتمر في 14 فبراير نية الحكومة البريطانية إحالة القضية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، ولهذه الغاية اجتمع ألكسندر كادوغان ممثل بريطانيا الدائم في الأمم المتحدة في 26 فبراير مع "تريجفي لي" الأمين العام للمنظمة الدولية بهذا الخصوص.


وفي 2 أبريل من العام نفسه قدم الوفد البريطاني في الأمم المتحدة مذكرة بريطانية رسمية لغرض إدراج مسألة فلسطين على جدول أعمال الجمعية العمومية في دورتها العادية التالية، لكن الوفد البريطاني طلب أيضًا دعوة الجمعية العمومية إلى دورة خاصة "استثنائية" للتحضير لبحث المسألة في الدورة العادية.


وهكذا بناءً على طلب بريطانيا العظمى بدأت الأمم المتحدة النظر في قضية فلسطين، وفي ذلك الوقت كانت جميع بلدان الشرق الأوسط التي كانت فيما مضى تحت الانتداب قد أصبحت مستقلة، وكانت فلسطين هي الاستثناء الوحيد, فقد كانت تمثل حالة فريدة من نوعها أعاق فيها العنف الناشئ عن الأحكام المتعارضة للانتداب الانتقال إلى الاستقلال، وليس سرّاً أن الذي أدى ببريطانيا إلى إحالة قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة هو فشل بريطانيا في محاولاتها لحل المشكلة بتقسيم فلسطين إلى دولتين مستقلتين أو التخلي عن الانتداب، مع ما يستتبع ذلك من ظهور فلسطين مستقلة موحدة، وأيضًا إدراكها كما سبق القول أن الظروف الدولية أصبحت مواتية لحل المشكلة الفلسطينية بما يخدم الأهداف الاستعمارية، وأيضًا رغبة بريطانيا في خفض ميزانية مستعمراتها وقواتها العسكرية.


وجاء قرار بريطانيا عرض المشكلة الفلسطينية على الأمم المتحدة لتقرر وتفرض الحل الذي تراه، وذلك في مذكرة مراسلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة من بريطانيا، تطلب عقد دورة خاصة للجمعية العامة التي أوصت بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود، وأصدرت الأمم المتحدة القرار رقم (181) الداعي لتقسيم فلسطين.


وقد استغل الانتداب القرار بالانسحاب المفاجئ من فلسطين لمصلحة اليهود الذين على الفور أعلنوا إقامة ما يسمى دولة (إسرائيل) عام 1948م، وكانت هذه بمنزلة طعنة غادرة في خاصرة الفلسطينيين والعرب من الانتداب والجمعية العامة، وحدثت النكبة على إثرها، وما زال الفلسطينيون يحصدون ثمار هذه النكبة مُرّة علقمًا حتى كتابة هذه السطور، وهو ما يجعلها أساس الداء وأس البلاء، ورأس كل النكبات التي توالت على الفلسطينيين.


هذه السطور ليست بغرض الاستعراض التاريخي لأحداثٍ مضت وانقضت، لكنها فرصة لمحاولة التعرف إلى واقع الكيل بمكيالين من الجمعية العامة للأمم المتحدة التي اعترفت بالكيان العبري بشكل منفرد دون إعطاء الفلسطينيين حقهم في تقرير مصيرهم، وهل استخلصت الدروس فعلاً من نكبة الأمس، كي لا تتكرر نكبة اليوم أو الغد، أم أن ما كانت تعانيه القضية الفلسطينية عشية النكبة ما زال حاضراً قائماً، وربما يزداد قتامة وسوءًا؟


سواء أكنا مؤمنين بالقاعدة القائلة إن التاريخ يعيد نفسه أم لا، فمنذ مشروع بيفن وصولًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي يتحدث عن دولة فلسطينية لم يقدم أس حل عادل للقضية الفلسطينية، وإذا كان جادًّا في كلامه (حتى لا نظلمه) فهل سيعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن يعلن فيها دولة فلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الأقل إيقاف الاستيطان ووقف التهويد للقدس والمسجد الأقصى وإنهاء حصار غزة؟


الحراك السياسي والدبلوماسي الذي تشهده الأراضي الفلسطينية والدول المجاورة لها يرسل إشارات، تقترب أو تبتعد قليلاً أو كثيراً من رؤى سياسية، مفادها أن الواقع الذي أفرزته النكبة الأولى القائم على وجود دولة يهودية قد بات أمراً مفروغاً منه، تسليماً بالأمر الواقع، أو اعترافاً فلسطينيّاً وعربيّاً به ضمنيًّا.