لم يكن الأمر سهلاً، لكنه يستحق التضحية، هكذا ترى الشابة منار خلاوي أمر ارتباطها بالأسير أسامة الأشقر ذي المحكومية العالية، فبالرغم من استحالة اللقاء بالمقاييس الدنيوية فإنّ الأمل بقلبها كبير بأنْ ترى أسامة حراً طليقاً، وأن يجمعهما بيت واحد في أقرب وقت.
فكما جمعهما القدر دون ميعاد، وبالرغم من بعد المسافة بين مدينتَيْهما بيت لحم وطولكرم فإن منار "29 عاماً" تأمل أنْ يكون اللقاء خارج أسوار سجون الاحتلال قريباً وقريباً جداً.
بدأت الحكاية في عام 2016م حينما نفذ ابن خال منار الأسير بهاء الدين عودة عملية فدائية فأصيب واعتقل في إثرها، وحكم بالسجن الفعلي مدة 12 عاماً ونصف العام.
داخل سجون الاحتلال تعرف عودة على الأسير أسامة الأشقر، وأصبحا صديقيْن مقربيْن، فكان لا يفتر عن ذكره ومدحه أمام عائلته وأقاربه بمن فيهم "منار" وذووها، التي أُعجبت ببطولته رغم حداثة سنه، فرأت فيه شخصاً خارقاً، ولم تكن تعلم أنه قد بادلها الإعجاب ذاته فهو مستمع دائم لبرنامجها الإذاعي الخاص بالأسرى.
وتقول: "أسامة مثَّل لي بطلاً خارقاً. كان قائداً من قادة كتائب شهداء الأقصى، وطارده الاحتلال وهو في الثامنة عشرة فقط من عمره، وظلّ مطارداً لعامين كاملين قبل أن يعتقله الاحتلال".
وتتابع: "بالرغم من الظروف المأساوية في سجون الاحتلال وتعرضه لكل أنواع التعذيب والتنكيل فإنه تقدم لامتحان الثانوية العامة وأنهى دراسة البكالوريوس وهو على وشك أن يُنهي دراسة الماجستير بعد عدة أشهر، وله إسهامات أدبية متعددة، إذ أخذ على عاتقه أن يوصل رسالة الأسرى داخل السجون لشعبنا وللعالم أجمع من خلال قلمه".
حلمٌ تحقق
علمت منار لاحقاً أنه أسرَّ لابن خالها بما في نفسه ورغبته بالارتباط بها، "لكن بهاء ثبطه واستصعب الفكرة، وأعرب عن اعتقاده بأنها وذويها لن يقبلوا بهذا الارتباط، لكون "أسامة" محكومًا بالسجن ثمانية مؤبدات وخمسين عاماً".
لتُفاجأ لاحقاً باتصال من أسامة يشكرها فيه على وقفتها مع الأسرى ويعرض عليها الارتباط به. لم تتردد "منار" بالقبول، فقد كان الأمر حلماً بالنسبة لها، "وأجبتُه بأن هذا شرفًا لي أن أكون معه ورفيقة له وشريكة حياته".
وتشير إلى أن أكبر دافعٍ لها للقبول، إيمانها بأن الأسير ليس مجرد رقم، بل هو إنسان من حقه أن يعيش ويخطط لحياته مهما كانت الظروف صعبة، ومهما أحكم الاحتلال إغلاق الزنزانة عليه فالفرج قادم لا محالة.
وتضيف: "رحبتُ بالفكرة عن قناعة، على الرغم من رفض كل المحيطين بنا للأمر، سواء أهله الذين لم يتقبلوا فكرة أن يربط مستقبل فتاة بمستقبله المجهول، وأهلي الذين رأوا أنني أُلقي بنفسي للمجهول، لكنهم في الوقت ذاته من النوع المتفهم، فلا يمكن أن يجبروني على فعل ما لا أريده، وسيتفهمون أي قرار أتخذه، فقالوا لي: "هذه حياتك وإذا كنت ترين أنك ستكونين سعيدة بهذا الارتباط فليكن".
شخص مثقف
ظلّت منار مخطوبة مدة عام كامل للأسير الأشقر، إلى أن تمكنا من "عقد القران" عام 2021م وأصبح بإمكانها زيارته في السجن، "أزوره مرة كل شهر، ألقى منه دعماً وتشجيعاً، فهو يريدني أن أكون أفضل الناس كما يخبرني دائماً".
أكملت "منار" دراسة الماجستير بتشجيع من "أسامة"، وها هي اليوم تستعد لدراسة الدكتوراة بتشجيعٍ منه أيضاً، فقد طلب منها ألا تتوقف أبداً، بل تكمل دراستها.
وبالرغم من أن الكثيرين ينظرون إلى ما فعلته "منار" و"أسامة" كضرب من الجنون، وأنها ستغير رأيها عندما تتمكن من زيارته ورؤية الأوضاع في سجون الاحتلال، فإن العكس هو ما حصل، فقد ازدادت تمسكاً به، "لقد مضى على ارتباطنا أربع سنين، لم ينقص فيها حبي له، بل ازددنا تعلقاً ببعضنا".
وفي يوم عقد قران منار وأسامة ظهر للنور كتابه الأول المعنون بـ"للسجن مذاق آخر" ليكون البذرة الأولى في مشروعه الثقافي الذي أطلقه عام 2019م بهدف إيصال رسالة الأسرى للفلسطينيين والعرب والأجانب، وهو حالياً بصدد إصدار كتابه الثاني بعنوان "رسائل كسرت القيد".
التئام الشمل
أصبحت "منار" عيني وقلب "أسامة" في الخارج، ووسيلة الوصل بينه وبين المحيط الخارجي، "جمعتُ رسائله التي استطاع إخراجها بطرق مختلفة من داخل الأسر، وسترى النور قريباً بإذن الله".
وتعد "منار" الأيام والليالي بانتظار صفقة تبادل تكون سبباً في تنسم "أسامة" الحرية، ليجهزا بيت الزوجية سوياً، ويلتئم الشمل، "ما يعجبني في "أسامة" أنه شخص متفتح ومثقف وواعٍ ومتابع للأمور خارج السجن، فلم يؤثر الاعتقال في نفسيته ولم يقتل طموحه".
وتمضي إلى القول: "ارتباطي بأسامة أكثر القرارات صوابية في حياتي ولو عاد بي الزمن لفعلتُ الأمر ذاته، فنحن مرتبطان ببعضنا أكثر من ارتباط كثيرٍ من الأزواج ممن يجمعهم بيت واحد".
وأكثر ما يخطط له "منار" وأسامة هو اليوم الأول للقاء بعد التحرر، "أسامة لا يحب النكد أبدًا، ويرى أن العمر الذي سيعيشه الأسير بعد الخروج من السجن لن يكون أكثر مما قضاه داخله، لذلك فإنه لا يجب أن يترك مجالاً للحزن أن يتسلل إلى قلبيهما بعد تحقق اللقاء المنتظر".