فلسطين أون لاين

الواقعية السياسية في خطاب السنوار

تجلت الواقعية السياسية وتميزت في خطاب يحيى السنوار قائد حركة حماس في قطاع غزة، أول من أمس، الذي تزامن هو واستقالة منسق ملف الأسرى والمفقودين بمكتب رئيس حكومة الاحتلال المحامي "ليئور لوتان"، حيث الحرب النفسية الناجحة في وقتها، وفن التفكر والتدبر، والإعداد والتخطيط الجيد للخطاب دون الارتجال؛ فكل كلمة وعبارة كانت مدروسة بعناية فائقة، وضربت في عدة اتجاهات، وغاب عنها التشنج والتصعيد؛ فكانت كلمة طيبة كشجرة طيبة آتت أكلها الطيب.

الواقعية السياسية في خطاب السنوار استمدت قوتها من الممارسة السياسية المستندة إلى القراءة الموضوعية العلمية لواقع الاحتلال بحكمة، لمعرفته المسبقة بعقلية الاحتلال التي قضى 20 عامًا في السجن وهو يدرسها، وأصبح قادرًا على فك أسرارها وعقدها، وصار سهلًا لديه السباحة فيها بما هو معلوم وموجود لديه، وهو ما أقر به "ليبرمان".

خطاب السنوار تناول المستجدات، وأراح الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية بتأكيده أن لا تراخي في الحقوق والثوابت، إذ قال بصريح العبارة: "لدينا من الأوراق في ملف الأسرى ما يجعلنا واقفين على أرض صلبة، ونؤكد التزامنا بوعدنا للأسرى جميعًا بأننا سنفرج عنهم في صفقات مشرفة، و"نتنياهو" يبيع الوهم لأهل الجنود "الإسرائيليين" الأسرى لدينا".

تقول الواقعية السياسية: إن أي قرار يجب أن يكون عبارة عن عملية توفيق خلاقة ومعقدة بين متناقضات في ضوء ما هو معلوم وملموس، وتوظف المعرفة في كشف أسرار الواقع واتجاهاته، ومن هنا إن عملية التوفيق تجلت في خطاب السنوار بفرض الحرب مع الاحتلال، كون الحرب دائمًا يشعلها ويفرضها فرضًا دائمًا على غزة الاحتلال، بظلمه وغيه وإصراره على احتلال الأرض الفلسطينية.

"ليبرمان" وزير حرب الاحتلال أقر بقوة وتشدد السنوار في موضوع صفقة الأسرى قبل ساعات من خطاب السنوار، وهو تشدد في الحق والطريق الصحيح، يرضي الشعب الفلسطيني؛ فالاحتلال يريد شعبًا فلسطينيًّا وقيادات خانعة، تقبل الاحتلال وشروطه ونظرته لحل أي أمر، ولو كان على حساب الحقوق الفلسطينية.

فن إدارة المعركة والنفس الطويل المدروس بعناية فائقة يتطلب الشدة في وقتها، وهو ما حصل من السنوار في موضوع الأسرى، حتى لو أخذ مزيدًا من الوقت، وهذا يتفهمه أهالي الأسرى والشعب الفلسطيني، كون المعركة مع الاحتلال الماكر والغدار قد تمتد إلى عشرات السنين، وقصار النفس لا مكان لهم في قافلة الأحرار صناع الإنجازات، ومن يكتبون التاريخ بمداد من ذهب، فمكان قصار النفس الوحيد هو مزابل التاريخ.

لابد لأي قائد _مهما كان_ أن تكون لديه الأجوبة الشافية والمقنعة لكل المشاكل والمعضلات، وهذا لا يعني بالضرورة القدرة على حلها بـ"كبسة زر"، بل حسن النوايا والتخطيط العلمي السليم لحل المشكلات، ضمن القدرات والإمكانات المتاحة التي يكون هو أدرى بها وأعلم، كونه قائدًا لا عنصرًا عاديًّا.

السنوار بكل قوة وصلابة في خطابه تناول صفقة الأسرى المرتقبة، وبين أن حماس متمسكة بشرطها لإجراء مفاوضات صفقة تبادل جديدة، وهو الإفراج عن 54 أسيرًا حرّروا في صفقة "وفاء الأحرار" مقابل الجندي "جلعاد شاليط" التي عقدت عام 2011م.

وعلى المستوى الداخلي الفلسطيني، والمصالحة الفلسطينية بين بصريح العبارة بكل أريحية قبوله حل اللجنة الإدارية في غزة بحل مسبباتها، كونها ليست مقدسة، مؤكدًا أن حماس ليست هدفًا أو غاية، وما يهمه هو المشروع الوطني.

بكل تواضع باتجاه البوصلة الصحيحة قال السنوار في خطابه: "سنطرق كل الأبواب ما عدا باب الاحتلال لحل مشاكل قطاع غزة"، و"إن حكم حماس أتفه من أن يموت طفل في أحد المستشفيات بسبب الحصار"، داعيًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل الفصائل الفلسطينية كافة، وتحمل المسؤوليات جميعًا، وتأخذ الصلاحيات في الضفة والقطاع جميعًا.

في المحصلة خطاب السنوار عبر عن فهم عميق للواقعية السياسية الفلسطينية، والظروف المحلية والإقليمية، بتأكيده ضرورة طي صفحة الانقسام؛ فالدم واحد والهدف والمصير، وعبر عن فهم عميق أيضًا لعقلية الاحتلال، فلا مجال للتراخي أمامه، كونه لا يفهم سوى لغة: العين بالعين، والسن بالسن.