لا يزال أهالي قطاع غزة يعانون من ويلات الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة في رام الله على السكان لا سيما الموظفين منهم في القطاع العام الذين تعرضوا لاقتطاع أكثر من 30% من رواتبهم، عدا عن إحالة نسبة كبيرة منهم إلى التقاعد المبكر رغم صغر سنهم، ناهيك عن الطلب من (إسرائيل) تخفيض كميات الكهرباء التي تزود غزة بها، وكل ذلك بحجة الضغط على حركة حماس لحل اللجنة الإدارية التي شكلتها لتسيير أمور قطاع غزة في ظل تخلي حكومة الحمد الله عنه.
وفي المقابل، رضخت السلطة لضغوط عربية مفادها عدم التصعيد ضد (إسرائيل) في خطاب رئيس السلطة محمود عباس في الأمم المتحدة الشهر المقبل، وذلك في سبيل منح الإدارة الأمريكية "فرصة" لتحقيق تقدم في عملية "السلام"، وهو الأمر الذي يفرض تساؤلاً منطقياً مفاده: "هل مرونة عباس مع (إسرائيل) ستنعكس على قطاع غزة عبر التخفيف من إجراءاته ضد سكانه؟ وبمعنى آخر هل سينول "غزة" من الحُب جانب؟!
لا تريد المواجهة
الكاتب والمحلل السياسي، عمر عساف، يرى أن الموقف الأمريكي واضح، ويقوم على ممارسة مزيد من الضغط على السلطة الفلسطينية، مشيراً إلى أن الزيارة الأخيرة للوفد الأمريكي أكد للسلطة أن "وقف الاستيطان" ليس مطروحاً على طاولة المفاوضات.
وقال في حديث لصحيفة "فلسطين": "إن الموقف الأمريكي واضح بانحيازه للاحتلال وإن الدول العربية وخاصة الخليجية والدول التي زارها الوفد الأمريكي، نتج عنها تفاهم بين الطرفين على أن تضغط على السلطة من أجل التوصل لاتفاق من خلال مساومة مع السلطة".
وشرح أن المساومة تقوم – حسب تقديره - على تهديد السلطة بالاستجابة للضغوط العربية وقبول المشروع الأمريكي الإسرائيلي وإلا فإن هناك مشروعاً عربياً إسرائيلياً بديلاً سيتم تمريره باستثناء السلطة.
وأضاف: "لا يمكن التعويل على الإدارة الأمريكية لأنها منحازة للاحتلال وفي المقابل فإن التخفيف عن غزة هو مطلب وطني قبل أن يكون مقاربة سياسية".
وتابع: "ينبغي أن يتم إلغاء الإجراءات العقابية ضد غزة وقد يلجأ عباس إلى إعادة النظر فيها والمطلوب أن يتم ذلك بعيداً عن التجاذبات السياسية"، موضحاً أن سياسات السلطة لا تدعم مواجهة الاحتلال بل عدم الاصطدام معه.
علاج الانقسام
وفي سياق متصل، أكد حسن خاطر مدير مركز القدس الدولي أن موقف الولايات المتحدة من العملية التفاوضية واضح ومنحاز بالكامل للاحتلال الإسرائيلي وهو ما أكدته الزيارة الأخيرة للوفد الأمريكي للمنطقة والتي جددت التأكيد على المطالب الإسرائيلية.
وقال في حديث لصحيفة "فلسطين":" ما قام به الوفد الأمريكي أكد عدم نزاهته في الوساطة بين الطرفين، وهذا ما فهمته السلطة، ولعل هذا سبب نية الأخيرة التصعيد ضد الاحتلال في الأمم المتحدة".
وأضاف خاطر: "من الدول العربية ما هو أمريكي أكثر من الأمريكان أنفسهم ويمارسون ضغوطاً على السلطة لقبول المطالب الأمريكية"، مشدداً على أن العبرة ليست في من يقوم بالضغط على السلطة وإنما فيما يمكن أن يقبله الشارع الفلسطيني.
واعتبر أن الأحداث الأخيرة التي مرت بها مدينة القدس المحتلة، قطعت الشك باليقين بأن الشعب الفلسطيني قادر على أن يكون هو صاحب الكلمة وأن يجتمع على موقف واحد رغم كل الضغوط العربية والدولية.
وتابع خاطر: "هناك من يحاول أن يسوق للمعادلات الاستسلامية للاحتلال، لا سيما وأن غزة تمثل العمود الفقري للقضية وما يمارس من ضغوط عليها يحاول تسويف قضيتها وهذا أمر غير منطقي خاصة وأن الكثير من القيادات غير حرة في قرارها".
ووصف ما تعيشه الحالة الفلسطينية من استمرار الانقسام "بالمحنة" التي ألقت بظلالها على كل المجتمع الفلسطيني، داعياً إلى ضرورة حل هذه الأزمة لاعتبار ذلك مطلبا جماهيريا عادلا.
وأوصى خاطر بضرورة إنهاء الانقسام الفلسطيني، "فمن خلال ذلك يمكن التراجع عن كل الإجراءات التي لم يكن ضحيتها إلا الشعب الفلسطيني نفسه، وهذا ما يفرض على جميع القيادات الفلسطينية العمل على علاجه".

