فلسطين أون لاين

منغستو

تسع سنوات مرت وأسرى الاحتلال في قبضة حركة حماس، التي صرحت سابقًا أنها تأسر 4 جنود إسرائيليين منذ عام 2014، وهم: شاؤول أرون، وهدار غولدن، وأبراهام منغستو، وهشام السيد، وترفض الحركة رفضًا قاطعًا إعطاء أي معلومات وتفاصيل للاحتلال، ولا لأي جهة يقصدها للتوسط، إلا بتدفيعه الثمن الذي تطلبه، كما فعلت من قبل مع الجندي الصهيوني الأسير شاليط، الذي كان أسيرًا لديها.

نذكر  قبل مدة قصيرة تهديدات رئيس الحركة في غزة، يحيى السنوار، في أثناء فعاليات انطلاقة حركة حماس في غزة، بأن ملف أسرى الاحتلال لن يدوم طويلًا على الطاولة، وسيكون طي النسيان، ولن يُبتُّ في أمرهم ولن يُفتَى في مستقبلهم، ما دام حكومتهم تخلت عنهم. والواضح أن الاحتلال غير مهتم باطلاق سراحهم، حيث يبرر تخاذله ومماطلته من أجل مصالح سياسية، وكل ما سبق فعله بإدعائه إحداث اختراق في ملف الأسرى من خلال وسطاء، ما هو إلا للاستهلاك الإعلامي لدغدغة مشاعر ونفسيات أهليهم وذويهم وامتصاص غضب الشارع الصهيوني، فتارة يدّعي أن عددًا منهم (أي الجنود) في عداد القتلى، وأن حركة حماس تحتفظ بجثثهم، وتارة أخرى يدعي أن منغستو مختل عقليًّا، وبعد عرض حركة حماس شريطًا مسجلًا له قبل يومين، اتضح أنه بكامل قواه العقلية وهو يطلب من حكومته: "أين دولة وشعب (إسرائيل) من مصيرنا، إلى متى سنبقى هنا في الأسر أنا ورفاقي؟".

ليس مهمًا الحديث عن مفاجأة ظهور منغستو، بقدر ما يهم لماذا ظهر الآن، حتى ولو لبضع ثوانٍ، هذا هو السؤال؟ 

يمكن القول: إن ظهور منغستو جاء في الوقت المناسب، أُرسل من خلاله عدة رسائل في عدة اتجاهات: 

1- تزامن مع تبادل المناصب في رئاسة أركان جيش الاحتلال بتنصيب "هرتسي هليفي" خلفًا لـ"أفيف كوخافي".

2- تزامن مع الاحتجاجات الإسرائيلية ضد حكومة نتنياهو المتطرفة.

3- تزامن مع اقتحام بن غفير للسجون وتهديده الاسرى الفلسطينيين.

4- تزامن مع موجة الغضب العالمي على حكومة الاحتلال، لمخالفة القانون الدولي والمواثيق الدولية بتعذيب الأسرى. 

5- تزامن مع نية حكومة الاحتلال سن قانون إعدام الأسرى.

6- تزامن مع نية حكومة الاحتلال سن قانون سحب الجنسية من أسرى الداخل المحتل وترحيلهم.

7- تزامن مع اقتحام السجون (مجدو ونفحة) والاعتداء على الأسرى.

8- تزامن مع محاكمة أسرى نفق الحرية بإصدار عليهم أحكام إضافية.

9- تزامن مع حرمان الأسرى من الزيارات.

10- تزامن مع إضراب الأسرى، واستشهاد الأسير ناصر أبو حميد.

التغذية الراجعة لمنغستو مفادها أن حكومته تتهرب من المسؤولية، بهدف المماطلة وكسب مزيد من الوقت لخدمة أجنداتها، فهي تعلم أن ثمن التبادل سيكون باهظًا، ناهيك بالثمن السياسي والمعنوي الأكثر ألمًا الذي سيحل على الاحتلال، خاصة في ظل حكومة عنجهية تعد من أكثر حكومات الاحتلال تطرفًا على الإطلاق.

 لعل حركة حماس هي الأذكى في تعاملها مع قضية الاسرى (جنود الاحتلال)، لماذا؟ لأنها أكثر مصداقية وفي نفس الوقت أصابت "عصفورين بحجر واحد"، فقد كشفت الغطاء عن قادة الاحتلال وعرّتهم أمام أهل وذوي الجنود الأسرى.

أما حركة حماس فقد أثبتت أنها تقول وتصدق في قولها فعندما مرض أحدهم وعدت بإظهاره وهو مريض وفعلت، في الوقت الذي كان قادة الاحتلال يشككون في ذلك، من شدة اليأس والإحباط النفسي الذي أصابهم جميعًا. كما أن الحركة تستعمل سياسة العصا والجزرة في تعاملها مع الاحتلال، حيث تتجاوب مع أي وساطة لحل قضية الأسرى، لكن لم تتنازل عن مطالبها وشروطها، لكسر أنف الاحتلال، ليكون هذا درسًا له يحسب له ألف حساب قبل أن يشن حربًا على غزة، من جانب آخر تظهر الحركة أمام الجميع أنها الأكثر إنسانية في قضية الأسرى المرضى، لإنقاذ حياتهم، ولكن الاحتلال أثبت عكس ذلك برفضه القاطع.

سلطات الاحتلال الإسرائيلية لا تعير الأسرى المرضى أي اهتمام، وهي تناقض نفسها وتخدع مجتمعها قبل الآخرين، فتدعي أن لدى حركة حماس جنديين مرضى من جنودها الأربعة الأسرى لدى الحركة، وفي نفس الوقت ترفض تبادل الاسرى المرضى مع الحركة كحالة إنسانية وكبادرة حسن نية لإرجاع على الأقل أسراها المرضى، وبدلًا من هذا أخذت سلطات الاحتلال تماطل كعادتها باللعب على عامل الزمن معتبرة هذا في صالحها.

حركة حماس نجحت في توقع الاحتلال في امتحان أمام مجتمعه بعدم صدق قادته، وقد تزامن هذا مع سقوط حكومة الائتلاف اليمينية المتطرفة بين بينيت وشريكه لبيد، وما فاقم الوضع سوء لدى سلطات الاحتلال بإظهار منغستو، ليلقي اللوم على حكومته، وتكون بذلك قد رمت الكرة في ملعب الشارع الإسرائيلي. 

فما أفشل بينيت وحزبه، هو انصياعه للمؤسسة العسكرية التي تعمل وفق رؤيتها العقيمة السابقة، لا سيما رفض عقد صفقة تبادل للأسرى حتى لو كانت صفقة جزئية خاصة بالمرضى، ليس لدواع امنية كما يزعمون، وإنما لدواعٍ سياسية شخصية للمحافظة على استمراريته ومستقبله السياسي، ولو أن لبيد فهم الرسالة في آخر أيامه وعقد صفقة التبادل الإنسانية، التي عرضتها حركة حماس مقابل تسليم الجندي هشام السيد، وأتبعها أيضًا بصفقة شاملة لاسترجاع جنوده جميعًا الواقعين في قبضة حماس، لربما تغيرت المواقف، ويكون بذلك قد وجه صفعة قوية لخصمه التقليدي نتنياهو.

المصدر / فلسطين أون لاين