شهد الكيان الاستيطاني السبت الماضي 14/1/2023، تظاهرات صاخبة غصت بها شوارع وميادين (تل أبيب) والقدس وحيفا المحتلة ضد حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، تعبيرًا عن معارضة ذات طابع نوعي ومحتدم لسياسات الحكومة الهادفة لإحداث تغييرات جذرية لطبيعة الكيان برمته وليس فقط لطبيعة النظام السياسي وبرامجه.
ولقد اتّسعت هذه المعارضة التي تشمل اليوم معظم الطيف السياسي للخريطة الحزبية والتي تشمل أحزاب الوسط واليسار وتحالف "الجبهة والعربية للتغيير"، ويمتد ذلك ليطال بعض أجنحة الذين صوتوا لصالح الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتلك الدينية المتشددة التي تشكل أحزابها الائتلاف الحاكم.
ويُذكر أن هذه التجمعات الحاشدة، جاءت بدعوة من منظمة مناهضة للفساد، ورددوا شعارات تدعو إلى "إنقاذ الديمقراطية" المزعومة، ومنع "الإطاحة بالنظام السياسي"، التي "تسير على خطاه" دولة العدو منذ تأسيسها غير الشرعي منذ عام 1948.
كما ركزت التظاهرات على ما سُمي "مشروع إصلاح القضاء"، الذي قدمته حكومة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في الرابع من كانون الثاني الجاري.
وقد أفادت مسودة القانون بأن نتنياهو أعاد ترتيب لجنة اختيار القضاة، والذي على أثره سيزداد نفوذ حكومته اليمينية المتشددة في التعيينات بالمحكمة العليا.
وقالت وكالة "رويترز": إن نتنياهو –الذي أدى تحالفه القومي الديني اليميني اليمين الشهر الماضي- يسعى لتغييرات جذرية على النظام القضائي أثارت القلق في البلاد وخارجها على "سلامة الديمقراطية"، في حين يَرُد نتنياهو مُدعيًا إنه سيحافظ على استقلال القضاء.
وتتألف لجنة اختيار القضاة حاليًا من 3 قضاة من المحكمة العليا، ووزيرين وعضوين في الكنيست، واثنين من المحامين. وتعيين أحد القضاة يتطلب موافقة 7 أصوات على الأقل من الأصوات التسعة، في أغلبية يُراد به التشجيع على التوافق.
أما بموجب مشروع القانون الذي وضعهُ وزير القضاء ياريف ليفين، فستتسع اللجنة لتضم 11 عضوًا، 7 منهم يؤيدون الحكومة أو تقدمهم هي، مما يمنحها أغلبية تلقائية مُحتملة.
ويزيد أعضاء الكنيست في اللجنة إلى 3، على أن يكون 2 منهم من الائتلاف الحاكم، ويزيد عدد الوزراء المشاركين في اللجنة إلى 3.
وَيَحِلُّ محل المُحامين إثنان من "الشخصيات العامة"، يختارهما وزير القضاء، أحدهما فَحَسب يكون محاميًا.
ويعزز تشريع ليفين هذا سيطرة الحكومة على المحكمة العليا، عبر اشتراط صدور حُكم بالإجماع لإلغاء القوانين الأساسية التي يُقرّها الكنيست، والتي تقوم مقام الدستور في المستوطنة التي لم يُقرّ فيها دستور أو ماهية الحدود حتى اليوم.
كما يُمَكِّنُ تشريع وزير القضاء ليفين، التخلُّص من "المعقولية"، بوصفها معيارًا لمراجعة أحكام المحكمة العُليا ضد سلطات الحكومة.
وهناك قيادات وازنة على قمة هرم النخبة السياسية، يحذرون من تداعيات مغامرات أركان الحكومة الفاشية وخططها في القدس وتحديدًا في المسجد الأقصى، ومشاريع تدميره لاستبداله بالهيكل اليهودي الثالث المزعوم، وما قد يستثيره من ردود فعل على الجبهة المحلية التي ستتسع نيرانها لتغطي كل الوطن الفلسطيني المحتل.
ويخشى المختصون، بأن حربًا دينية ستندلع لا محالة لمواجهة هذا التحالف الصهيوني الديني المتشدد وتهديداته لقبلة المسلمين الأولى.
وهاجم أولئك القادة الصهاينة حكومة نتنياهو، ونواياها في تصعيد الحرب مع إيران، وفي تسخين جبهة الشمال مع "حزب الله" ومع سوريا، في الوقت الذي تمر فيه (تل أبيب) بأزمات غير مسبوقة تهدد بتمزيق نسيج "التجمع الاستيطاني" برمته، وتراكم مآزق أمنية وعسكرية واقتصادية، على المستوى الداخلي وأخرى كثيرة دبلوماسية وسياسية مع حلفاء المستوطنة في أوروبا والولايات المتحدة وحتى مع أستراليا وعدد من الدول الغربية الأخرى.
وبحسب موقع "واي نت" العبري، فإن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، صرح يوم الجمعة الماضية 13 كانون الثاني 2023، بأنه سيطلب من نتنياهو التسريع في تنفيذ بنود إتفاق الائتلاف بين حزبي "عوتسما يهوديت" و"الليكود"، غير آبه بالزلزال الذي ترتج له جدران الكيان العبري، وهو إتفاق يسمح باستخدام جهاز الأمن "الشاباك" في محاربة الجريمة، وعمليات إطلاق النار وهو يرى في ذلك أداة لتفعيل "الشاباك" بشكل مكثف –كما يقول- وذلك كله لحصار ومراقبة أبناء الشعب الفلسطيني الذين ينظر إليهم كــ "ظاهرة تتحول تدريجيًّا إلى بلاء على الدولة".
ويتهم وزير الأمن القومي بن غفير بأن المواطنين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 يمتلكون حوالي نصف مليون قطعة سلاح وأن ذلك يُهدد مُستقبل الكيان، وهو يعلم أن جزءًا منها وزعته الشُرطة نفسها لمافيات الجريمة والمهربين من العصابات اليهودية الذين يقتلون سنويًّا ما يزيد على 140 فلسطينيًا، وكان آخرهم حتى اللحظة المواطن علي الجاروشي الخمسيني بحي الجواريش في مدينة الرملة المحتلة والذي يعمل حارسًا لجامع المدينة، وتقول شرطة الإحتلال -كَكُلِ مرة- أنها تحقق في ملابسات جريمة إطلاق النار التي أودت بحياته، دون أن تَصِل إلى أي نتائج.
أما زعيم المعارضة، ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد فقد عاد من جديد لمهاجمة رئيس وزراء حكومة الاحتلال قائلاً "بأنه لم يَتَلَقَّ تفويضًا لتدمير الديمقراطية، كذلك فإن أغلبية الجمهور، ومن ضمنهم الكثير من ناخبي الليكود، يعارضون التغييرات المتسرعة والمدِمرة التي تقوم بها".
وأضاف أن نتنياهو أضعف من أن يتعامل مع المتطرفين في حكومته.
كما شَنَّت رئيسة المحكمة العليا مساء الخميس الماضي، هجوماً حاداً على خُطة إضعاف جهاز القضاء، بقيادة وزير القضاء، ووصفتها بأنها مُعَدَّة لــ "سحق النظام القضائي".
وقالت حيوت: إن الخطة تستهدف "توجيه ضربة قاضية لاستقلال القضاء، وتحويله إلى سلطة صامتة، ومحاولة مكشوفة لتسييس الجهاز القضائي". ولقد تعرضت حيوت لهجمات حادة رئيس الوزراء، ووزير القضاء ليفين، ووزيرة المواصلات ميري ريغيف، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ورئيس الائتلاف في الكنيست، أوفير كاتس، وعضو الكنيست ، دافيد أمسالم.
وَتُّبينُّ هذه الهجمات، حجم الشقاق الذي يضرب أركان النظام المؤسسي بما يَشي بأن ما يجري يمس جوهر طبيعة التحول الذي يعتري كل بُنى المستوطنة الذي بدأ يتداعى ويصل إلى خواتيمه الحتمية، ويؤكد مايكل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بمركز ديان بجامعة (تل أبيب)، والباحث بمعهد السياسة والإستراتيجية بجامعة رايخان، بأن "الواقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو بداية تَحَوّلّ إستراتيجي للقضية الفلسطينية، ونتاج للفوضى التي تَعُمُّ سياسة (تل أبيب)، وتجعل من الصعب صياغة سياسة منتظمة طويلة الأمد ببدائل من طبيعة سيئة للغاية، لأن هذا التصعيد المستمر هو سيناريو مُتطرِّف سَيُكَلِّفُنا ثمنًا إستراتيجيًّا باهظًا".