تعيش عائلة الشهيد شادي نصار على روح الأمل منذ 19 سنة، تتلقف أي أخبار عن "نوايا" احتلالية لتسليم جثامين الشهداء عسى أن يكون من بينهم.
الشهيد نصار من مواليد 14 أغسطس 1978، عاش وترعرع بين أزقة وشوارع قرية مادما شمال مدينة نابلس، شهد بعينيه بطش الاحتلال وقطعان المستوطنين في أرضه فانخرط في انتفاضة الحجارة كالعديد من أطفال وشباب الانتفاضة في حينها، ومضى على الطريق ذاته بعد انتفاضة الأقصى مُنفذًا عملية استشهادية في 7 مارس 2003 في مستوطنة "آرئيل" الجاثمة على أراضي المواطنين في محافظتي قلقيلية وطولكرم، أدّت إلى مقتل وإصابة أكثر من 30 مستوطنًا.
لم يتوقع والده محمد نصار أن يحتجز جثمان نجله، ولم يكن يعرف بهذه السياسة الإسرائيلية وأثرها في أهل الشهيد، فكان خبر احتجازه فاجعة على عائلته وأمرًا غير متوقع أن يحدث.
ومع مُضي نحو عقدين على احتجاز جثمان "شادي" تزداد قناعة الأب بأن احتجاز جثامين الشهداء عذاب لعائلته التي تعيش سنوات من الحزن، لن تنطوي إلا بدفن الشهيد.
يقول لصحيفة "فلسطين": "عدم رؤية الجثمان ودفنه في قبر يزيد على مخاوفنا نحن أهل للشهيد، والهواجس بأنه قد يكون اختطف وهو مصاب وأعدم بدم بارد، أو مارسوا ضده سياسة الإهمال الطبي، خاصة أن الاحتلال يمنع تشريح جثمان الشهيد بعد تسلمه، كما يزيد من حالة الانتظار".
ومنذ استشهاد شادي، لا يكاد يمر يوم على والده دون أن يأتي على ذكره، وأن عليه واجبًا أخيرًا يتحتم عليه تأديته كما تفعل جميع أسر الشهداء مع أبنائها، لتكون أمنيته الوحيدة في هذه الدنيا "أن أدفنه قبل أُتوفى".
حياة دون روح
ويضيف أن استشهاد ابنه واحتجاز جثمانه يؤثر اجتماعيًا في العائلة فيضعها في حالة عزاء دائم، مشيرًا إلى اختلاف حياتهم بعدما مضى شادي إلى ربه، "لم نتمكن من العودة إلى حياتنا الطبيعية كما قبل استشهاده، ففي حال شاركت في جنازة شهيد تتذكر ابنك الشهيد المحتجز، الذي لم تتمكن من وداعه أو دفنه، وإذا ذهبت إلى فرح يؤلمني قلبي بأن شادي ما يزال في ثلاجات الموتى"، لافتًا إلى أن والدته انقطعت انقطاعًا شبه تام عن المشاركة في كثير من المناسبات الاجتماعية.
تقول الأم: "احتجاز جثمان شادي أمر مؤلم جدًا، يشغل فكرك، وتشعر بأنك تعيش في الحياة جسدًا دون روح".
تصمت برهة ثم تكمل: "لو أن شادي دفن في قبره لكان عندما تغلق الدنيا في وجهي أذهب إلى قبره وأزوره بين المدة والأخرى وأقرأ عليه القرآن وأدعو له".
وعلى الرغم من مرور 19 سنة على استشهاد شادي فإن والدته غير مقتنعة بأنه فارق الحياة لكونها لم تودعه ولم يشيّع، فتنادي عليه وترضى عنه.
كما أن المفاوضات التي تدور بين المرحلة والأخرى مع الاحتلال لاسترداد جثامين الشهداء المحتجزة تجعلها تعيش في حالة انتظار، ما يسبّب لها أزمة نفسية ومشاعر من الغضب والشعور بالعجز والألم وغيرها، تحاول أن تخفف وطأة الأمر وتقول: "الروح عند اللي خلقها".
وفي ظل هذا الجرح الذي يزيد عمقه يومًا تلو الآخر دون أن تُلقي على شادي الوداع الأخير، تحرص الأم على المشاركة في الفعاليات الخاصة باسترداد جثامين الشهداء على أمل أن يصل صوتها إلى الجهات المعنية، مطالبة بأن يعاد الجثمان إلى ذويه، ليحظى بجنازة تليق به وبإنسانيته التي كفلتها الشرائع والقوانين الدولية.