فلسطين أون لاين

"تلاعب سياسي اجتماعي"

تقرير احتجاز جثامين الشهداء.. جريمة حرب حظرتها "لاهاي"

...
احتجاز جثامين الشهداء.. جريمة حرب حظرتها "لاهاي"
رام الله-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

حكاية مأساوية يخط الاحتلال فصولها باحتجازه جثامين 256 شهيدًا فلسطينيًا منذ عام 1967 من الفدائيين في مقابر سرية تمنح الشهيد منهم رقمًا بدلًا من اسمه، انتقامًا منهم حتى بعد ارتقائهم.

ومضت سلطات الاحتلال في هذه السياسة العنصرية حتى غدا الرقم 373 جثمانًا محتجزًا إما في تلك المقابر أو في برادات الموتى. 

وقد كان عام 2015 أكبر عودة لعمليات الاحتجاز فيما عرف فلسطينيًا بـ"هبَّة القدس"، التي ترافقت مع بروز ظاهرة العمليات الفردية، إلى جانب احتجاز جثامين عدد من الأسرى الذين استشهدوا بفعل الإهمال الطبي في السجون.

القتل مرتين

ويستهجن بسام حماد عضو لجنة أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم إمعان الاحتلال في تعذيب ذوي الشهداء، قائلًا: "هو يقتل أبناءنا مرتين، الأولى بإطلاق الرصاص عليهم، والثانية باحتجاز جثامينهم".

ويقول لصحيفة "فلسطين": "هذه قضية إنسانية فلكل شهيد حكايته، تخيلوا أن هناك أم شهيد كل يوم تفكر بوضع جثمان ابنها في ثلاجة الموتى، وأب يفكر كل يوم في مصير ابنه، يخشى أن يسرق الاحتلال أعضاءه، هواجس كثيرة تؤرِّق بال هؤلاء الأهالي".

ويؤكد حماد أن الفعل الإسرائيلي باحتجاز الشهداء "إمعان في التعدِّي على الإنسانية، فهناك أهالي يريدون قطع الشك باليقين، والتأكد من استشهاد أبنائهم من عدمه، كثيرون منهم ليس لديهم مصدر معلومة سوى الاحتلال، الذي أعلن استشهادهم دون أن يسمح لأحدٍ من ذويهم بالتعرُّف على جثامينهم".

وتؤازر جهود الأهالي "الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء"، وهي حملة شعبية أطلقها مركز القدس للمساعدة القانونية، تخوض معارك قانونية ضد الاحتجاز العنصري للجثامين، لأن (إسرائيل) تستخدم هذه الورقة للضغط على الأهالي ونفسيتهم. 

احتجاز متعدد الأهداف

ويوضح منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء حسين شجاعية، أن سلطات الاحتلال تحتجز 373 جثمانًا، من بينها 256 جثمانًا لشهداء محتجز في مقابر الأرقام، و117 جثمانًا آخر محتجز منذ عودة سياسة الاحتجاز في 2015 في برادات الموتى، من بينهم 12 طفلًا، و11 أسيرًا، وسيدات أيضًا".

وتحمل هذا المقابر اسمها من طريقة تعاطي سلطات الاحتلال مع الجثامين، إذ تضع أمام كل قبر لافتة حديدية صغيرة تحمل رقمًا يرمز للشهيد من دون اسمه. وتُعدُّ مقابر الأرقام مناطق عسكرية مغلقة، إذ تمنع سلطات الاحتلال الوصول إليها من دون موافقة مسبقة.

على الجانب الآخر من القضية يلفت شجاعية في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن الجثامين تحتجز ضمن سياسة ممنهجة تتيح للاحتلال سرقة المزيد من الأعضاء، أو استعمالها لإجراء تجارب ودراسات في كليات الطب الإسرائيلية، وهو ما سبق أن كشفت عنه الطبيبة الإسرائيلية مئيرة فايس في كتابها "على جثثهم الميتة"، المنشور عام 2008، والذي أوردت فيه سماح معهد التشريح العدلي الرسمي الإسرائيلي "أبو كبير" استئصال أعضاء من جثث الفلسطينيين، وتخزينها في بنك الأعضاء، والاستفادة منها خصوصًا للمرضى الإسرائيليين.

"قوننة" للاحتجاز

وتبذل الحملة جهودًا لبقاء القضية حاضرة على الصعيدين المحلي والدولي، يقول إن سلطات الاحتلال حوَّلت بمشاركة الجهاز القضائي الملف من قانوني إلى سياسي، وقد زاد الطين بلة عندما أصدرت محكمة الاحتلال العليا قرارًا في سبتمبر 2019 يجيز للقائد العسكري الإسرائيلي احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين، ودفنهم مؤقتًا لأغراض استعمالهم كأوراق تفاوض مستقبلية، وذلك بحسب المادة 133 (3) لأنظمة الطوارئ الإسرائيلية.

ويبين محامي الهيئة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء محمد أبو سنينة، أن هذا القرار يتناقض مع قرار سابق للمحكمة صدر في ديسمبر 2017 ينصّ على عدم صلاحية احتجاز الجثامين، مؤكدًا أن قرار 2019 يدل على أن قضاء الاحتلال يخدم السياسة الإسرائيلية، وغير مُستقل البتّة عندما يتعلق الأمر بالفلسطيني.

ويؤكد أبو سنينة لـ"فلسطين" عدم توافر أساس أو مسوغ قانوني لاحتجاز الجثامين، وإنما الهدف هو الضغط على الفلسطينيين كعقوبة جماعية وعلى عائلة الشهيد، والحيلولة دون تحويل الشهيد إلى رمز نضالي.

ويبين أن "العليا الإسرائيلية" وَسَمَت العملية في قرارها بـ"الاحتجاز المؤقت"، استنادًا إلى نظم الطوارئ منذ زمن الاحتلال البريطاني، لذلك أصبح القرار ملزمًا، "فلم يبقَ لنا سوى هامش بسيط للتقاضي، ومحاولة الإفراج عن جثامين الشهداء الذين لم ينفذوا عمليات فدائية، الذين لم يشملهم قرار المجلس الوزاري الأمني المصغر (كابينت)، الذي استندت إليه المحكمة في قرارها".

انتهاك قانوني

أما وفق القوانين الدولية، فيشدد أبو سنينة على أن هذه السياسة غير متبعة في أي من دول العالم، ولا يجوز احتجاز الجثامين، خصوصًا في المناطق المحتلة.

ويوضح أن احتجاز الاحتلال جثامين الشهداء يخالف معظم المعاهدات والاتفاقيات والقوانين الدولية؛ إذ تحظر المادة 50 من "معاهدة لاهاي" عام 1907 بشأن قوانين وأعراف الحروب سياسة احتجاز الجثامين، وفرض شروط مقيِّدة ومهينة على ذويهم قبل تسليمهم الجثامين، باعتدادها "عقوبة جماعية" يحظرها أيضًا البندان 15 و17 من اتفاقية جنيف. 

كما تنتهك هذه السياسة اتفاقية جنيف الأولى، والمادة 27 من اتفاقية جنيف الثالثة، وكذلك قرارات لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي لا تأبه بها سلطات الاحتلال.