تتوالى فصول الاستقطابات الإسرائيلية، حتى وصلت إلى تنظيم تظاهرات جماهيرية واسعة مساء اليوم السبت، احتجاجًا على سياسة الحكومة الحالية، وسط توسيع رقعة دعوات كبار المسؤولين السابقين من الحلبة السياسية والحزبية، بمن فيهم جنرالات سابقون، انضموا انضمامًا ملفتًا إلى محاولة كبح جماح هذه الحكومة المتفلِّتة من عقالها، على الرغم من أن مثل هذه المظاهرات التي قد تتسع، من شأنها الانحدار إلى حرب أهلية هذه المرة بين الإسرائيليين.
التأهب الإسرائيلي لمظاهرات السبت في 2023 يُعيد إلى الأذهان الاحتجاجات التي سبقت اغتيال اسحق رابين في 1995، والانسحاب من غزة في 2005، وفي كليهما تجمع عشرات آلاف الإسرائيليين في الميادين العامة، في الأولى اتهموا رابين بالخيانة، وألبسوه الكوفية الفلسطينية، وأسفرت عن خسارة حزب العمل للسلطة، وفي الثانية وجهوا ذات التهمة إلى شارون الذي اضطر إلى الانشقاق عن حزب الليكود، وتأسيس حزب كاديما، الذي لم يعمّر طويلًا بعد دخول رئيسه في غيبوبة قضت عليه إلى الأبد.
في هذه الحالة فإن متظاهري معسكر الوسط، وما تبقى من اليسار، هم من يقودون المظاهرات والاحتجاجات، رافضين الخطوات المهمة، وحتى العنيفة، لتنفيذ سياساتها، ولا أحد يعلم كيف سيتصرف قادة اليمين تجاه المتظاهرين، وهم من يوصفون بأنهم الجيل الرابع لتأسيس دولة الاحتلال، التي قد تعيش المحاولة الأخطر أمام انحراف البوصلة السياسية، وقد تذهب الأمور بضربة واحدة سريعة في الاتجاه الآخر، دون خط رجعة.
مع العلم أن قادة المعارضة يعملون على تسخين الأجواء، لخلق موجة يمكنهم ركوبها طوال الطريق لقيادة الدولة، ولعل تهديد وزير الأمن القومي بن غفير باعتقال المتظاهرين، بمن فيه قادتهم، فإنه قد يأمر بنشر المزيد من حواجز الشرطة على الطرق بين تل أبيب ومناطقها، فيما تقرع المعارضة طبول المواجهة الداخلية، إذ سيخرج أنصارها للتظاهر، حتى لو كان ذلك ثمنه إشعال النار في الشوارع، على الرغم من تزايد الإسرائيليين الشاعرين بالأسى من سياسات الحكومة الجديدة.
الائتلاف الحكومي الإسرائيلي وأنصاره اليمينيون يعتقدون أنهم يخوضون معركة سياسية شرسة للهيمنة والسيطرة على الدولة، وقد باتت الشوارع والطرقات العامة ميدانًا أساسياً لرد كل معسكر على نقيضه، مع العلم أن المعركة الحقيقية الدائرة الآن ليست بين المؤيدين والمعارضين للتغييرات القانونية، بل لأن المعارضة باتت تمتهن الصراخ والهستيريا والشعور بالذعر.
الاستنتاج الإسرائيلي من هذا السجال القائم أن يشتد الصراع السياسي بين الائتلاف والمعارضة، بما في ذلك توسيع رقعة الإعلانات التحريضية، والدعوات إلى إشعال الشوارع، وارتفاع نسبة ترديد مصطلح الحرب الأهلية بين الإسرائيليين أنفسهم، صحيح أنها قد تكون مستبعدة، وأن قادة المعارضة يرددونها كثيرًا لإرهاب الحكومة وفريقها، لكن من الواضح أن مظاهرات اليوم السبت قد يكون لها ما بعدها على صعيد مزيد من زعزعة الوضع الإسرائيلي الداخلي.