الأوضاع الداخلية في (إسرائيل) ستفرض على الحكومة اليمينية التوجه إلى الخارج، وإنجاز عدة ضربات هنا وهناك، بهدف توحيد الصف، ولملمة شمل دولة الاحتلال التي انقسمت على نفسها، وهذه وصفة ميكافيلي للأمير، عندما أوصاه بإيجاد عدو خارجي، كلما انقسم الشعب في الداخل، فالعدو الخارجي يوحد الصفوف التي انشقت، وتمزقت بين مؤيدين للعلمانيين داخل المجتمع الإسرائيلي، ويمثلهم يائير لابيد، وغانتس، وقادة حزب العمل، وبقية المعسكر المعادي لنتنياهو، وبين معسكر اليمين المتدين، الذي يمثله نتنياهو متحالفًا مع مجموعة الأحزاب الدينية والصهيونية.
الانقسام بين اليهود ليس حديثًا، وليس مُستغربًا، وهو موجود في كل لحظة، فقد انشق اليهود وفق تاريخهم على أنفسهم أكثر من مرة، كان أخطرها تمرد اليهود في مملكتهم الأولى على الملك رحبعام، ابن الملك سليمان بن داود، كما يزعمون، الذي هدد شعبه، قائلًا: "أبي عذبكم بالسياط، وأنا سأعذبكم بالعقارب"، وكانت النتيجة انقسامهم إلى مملكة (إسرائيل) في الشمال، ومملكة يهوذا في الجنوب.
ولا فرق من وجهة نظري بين الماضي الذي قاده الملك رحبعام، وبين الحاضر الذي يمثله تسفيكا فوغل عضو الكنيست عن حزب "العظمة اليهودية"، وهو عميد متقاعد في جيش الاحتلال الإسرائيلي، قال لليهود: إنه ينبغي حبس رئيس الوزراء السابق، وسياسيين آخرين، لدعمهم التظاهرات الاحتجاجية على التغيير المزمع في الجهاز القضائي، والتحذير من حرب أهلية.
هذا الانقسام بين العلمانيين الذين يمثلون العمود الفقري للجيش، وهم أصحاب رأس المال، وبين الصهاينة المتدينين، الذين يمثلون العمود الفقري للعقيدة، وهم أصحاب التوراة، كما قال موشي غفني من حزب يهوديت هتوراة: هذا الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي قابل للتصاعد، والوصول إلى حرب أهلية، ما لم يتدارك نتنياهو المشهد، ويخرج إلى حرب خارجية، توحد الإسرائيليين، وتشغلهم عن انقسامهم الداخلي.
الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة التي يقودها نتنياهو تدرك مسؤوليتها، وتعرف سُبل الخروج من حالة الانقسام، وستحرص على عدم تعذيب اليهود لا بالسياط ولا بالعقارب، وإنما ستعذب الفلسطينيين بكل أنواع العنف والإرهاب، وستوجه عدة ضربات على رأس الشعب الفلسطيني، وستشعل المنطقة كلها، بصفته أفضل مخرج من حالة الانقسام، ولا أظن أن نتنياهو يجهل حقيقة الترف الزائد والاطمئنان، ودوره في صب الزيت على فتيل الانقسام، وبالتالي فإن التوجه إلى الخارج، وتعذيب المنطقة بالقرارات المتشددة، واستفزاز الشعوب، هو الحل السحري لحالة الانقسام التي يعانيها المجتمع الإسرائيلي.
المرحلة القادمة ستشهد عدة هجمات إسرائيلية باتجاه الأسرى الفلسطينيين، وأخرى باتجاه المسجد الأقصى، وضد مدن ومخيمات الضفة الغربية، وأخرى تتعلق بفرض القانون الإسرائيلي على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وذلك يعني الضم الفعلي، وضد غزة ومقاومتها، وضد الشعب العربي في الأردن، وأخرى ضد لبنان وشعبه، وهكذا، سيفتعل نتنياهو عدة معارك خارجية، تهدف إلى تشتيت الانتباه، وإضعاف قدرة الفلسطينيين والعرب على الرد، وهذا يفرض على الشعب الفلسطيني وقياداته السياسية الاصطفاف خلف إستراتيجية لا ترى بُدًا عن المواجهة والتصعيد.