ثَم إجراءات تهويدية عديدة تتبعها حكومة الاحتلال لتحقيق "يهودية الدولة"، ونفي الوجود العربي نفيًا كاملًا، أو تقليص عدده لأدنى حدّ ممكن. من هذه الإجراءات ما هو من نسيج القانون، ومنه ما هو سياسي، ومنه ما هو أعمال وإجراءات في الميدان كمنع البناء. جميع هذه الإجراءات النظرية والعملية تلتقي عند مفهوم حكومة الاحتلال ليهودية الدولة.
من أواخر هذه الإجراءات، وليس آخرها: ما يجري الآن في الكنيست من سنّ قانون سحب الجنسية من الأسير الفلسطيني المسجون، وهذا القانون من شأنه تهديد حقوق المواطنة للأسير المسجون، ولمن يمكن أن يسجن لاحقًا عند أدنى سبب.
القانون الذي يجري إعداده هو واحد من القوانين العنصرية التي تطبق على المواطن العربي، ولا تطبق على الإسرائيلي. المواطن العربي الفلسطيني يقيم في أرضه؛ أرض آبائه وأجداده، والإسرائيلي طارئ على هذه الأرض، وقادم إليها بالهجرة من القارات الست. الإسرائيلي الطارئ على الأرض أصبح بحكم الاحتلال صاحب الأرض، وهو من يمنح المواطنة للعربي، وهو من يسحبها منه، وهذه قصة لا مثيل لها في دول العالم، حتى إن الحكومة العنصرية في جنوب إفريقيا لم تجرؤ على سحب الجنسية والمواطنة من السود في البلاد.
سحب الجنسية من الأسير العربي يكون عادة بذريعة أمنية كغيره من الإجراءات العنصرية الموجهة ضد الوجود العربي. حكومات (إسرائيل) تتخذ من الأمن ذريعة لكل قانون عنصري، ولكل إجراء عنصري، وبالطبع لا تضع (إسرائيل) مفهومًا محددًا للأمن، إذ يبقى مفهومه شديد الاتساع ليتسنى للحكومة تطبيقه تطبيقًا واسعًا.
القانون الأخير وافق عليه "الكنيست" بالقراءة الأولى، وتعرض لانتقادات قوية من السلطة، ومن الفصائل، ومن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، وعلى رأسها المؤسسات داخل الخط الأخضر، ومع ذلك الحكومة العصرية جارية في إجراءات التنفيذ، والمجتمع الدولي يلوذ بالصمت، ويعتصم بالنفاق، ومن ثَم لا يوجد ما يوقف القانون، وهو ما يزيد العبء الثقيل على القيادات الفلسطينية داخل الخط الأخضر وداخل الضفة وغزة. ومن شأن هذا العجز أن يعيدنا إلى أصل المشكلة، وهي الاحتلال، وإلى أصل المواجهة، وهي مقاومة المحتل، قبل مقاومة قوانينه.