بالقرب من ساحة كنيسة المهد في بيت لحم، يقع قصر يحاكي عراقة تعود إلى عام 1890م، حُوِّل إلى فندق طاقم العاملين فيه من ذوي الإعاقة، وهو الفندق الأول في فلسطين الذي يعتمد على هذه الفئة بتقديم الخدمات الفندقية للسائحين.
هذا القصر اتخذته جمعية "معًا للحياة" مقرًا لها منذ تأسيسها في عام 2009م، وقد بناه أشهر مهندسي فلسطين في تلك الفترة مرقص نصار، صممه بعد دراسته في جامعة السوربون بباريس، وأقامت فيه عائلته لعشرات السنوات، وقد بنى عدة قصور في بيت لحم والقدس أيضًا.
مشروع استثماري
وتُبيِّن مديرة جمعية معًا للحياة في بيت لحم ماهرة غريب أن جمعيتها أقيمت كمركز مهاري يعمل على تدريب وتطوير الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية فوق 16 عامًا، ويضم 40 شابة وشابة، و13 موظفًا، ولديها فرع في قرية دار صلاح شرق المدينة.
وتقول غريب لـ"فلسطين": "لم يكن لدينا أدنى فكرة عن إقامة فندق، ولكن التحديات المالية والصعوبات التي يعانيها المركز في فرعيه دفعتنا نحو التفكير في البحث عن مشروع يغطي المصاريف التشغيلية له".
تلفت إلى أن جائحة كورونا ضربت العالم منذ ثلاثة أعوام، والحجر الصحي وإغلاق المركز زاد من الأعباء المالية، "وأصبح لدي هاجس تدبير المصاريف التشغيلية للجمعية حتى لا تغلق أبوابها ويفقد العاملون وظائفهم".
وتردف غريب: "لذا فكّرتُ في مشروع استثماري يدعم الجمعية، فلمعت في ذهني فكرة الاستفادة من الموقع الإستراتيجي للمركز إذ يُعد من أهم أقدم 10 معالم تاريخية وأثرية ببيت لحم، وهو مكون من ثلاثة طوابق ويضم 11 غرفة زوجية، وغرفة واحدة مفردة، وغرفة طعام، وحديقة خارجية".
وتفيد بأنه تم ترميم المبنى بإشراف مركز حفظ التراث بما يتناسب مع خصوصية المكان، ومع المحافظة على عراقته بإضافة لمسات تحافظ على فلسطينيته، حيث أعيد افتتاح المكان كفندق ونقل طاقم العاملين إلى مبنى أصغر في مكان مقابل له، بمشاركة عاملين من الجمعية.
المعاقون وسوق العمل
وتقول غريب إنها أصرت على أن يكون اسم الفندق هو الاسم ذاته للجمعية "معًا للحياة" لتأكيد ضرورة تمكين ذوي الإعاقة والعمل على دمجهم في سوق العمل.
وعن اختيار فريق العمل في الفندق، تجيب: "أشركتُ كل متدربي الفندق في التدريب على الخدمات الفندقية، وثلاثة هم من أثبتوا براعتهم في العمل وتمكنوا من التدرب في وقت قصير، منهم شابان وفتاة من ذوي الإعاقة الذهنية".
وتكمل: "يتولى هؤلاء الشباب مهمة تحضير وجبة الإفطار، وتقديم السفرة، وتنظيفها من الأطباق، وتغيير شراشف الأسرة، وعملية الغسيل والكوي".
وتذكر غريب أن البدء بفريق قليل العدد هو خطوة مبدئية، حيث تتطلع إلى زيادة عدد العاملين في المرحلة القادمة من أجل استقبال عدد أكبر من السائحين.
وتأمل أن يتم اتخاذ فندق "معًا للحياة" مثالًا يحتذي به أصحاب المحلات، والمطاعم، والفنادق وغيرها ليستعينوا بذوي الإعاقة ويفتحوا لهم مجالًا للعمل.
وتشير غريب إلى أنها تعمدت اختيار الشيف الرئيس في الفندق من الصم، بجانب عاملين آخرين يشرفون ويساعدون في العمل.
ووقعت جمعية معًا اتفاقية مع منظمة "ألبرغو إتيكو" الإيطالية التي تمتلك سلسلة فنادق العاملين فيها من ذوي الإعاقة، وذلك من أجل توفير حقيبة تدريبية للعاملين على الخدمات الفندقية في الجمعية، والتعرف على خطة عملهم لتقديم خدمة تليق بالفندق وزبائنه.
وتطلع غريب إلى توسعة المشروع وتحويل حديقة الفندق إلى مقهى لجذب واستقبال سكان المدينة وغيرهم من الفلسطينيين وعدم الاقتصار على السائحين فقط.
وتلفت إلى تسجيل الفندق على موقع "Booking" الرسمي للفنادق حول العالم، وسيتم خلال الفترة المقبلة تدريب طاقم الفندق على العمل الفندقي.