ما زالت الأوساط السياسية والدبلوماسية والقانونية لدى الاحتلال تعيش صدمة قرار الأمم المتحدة الأخير الخاص بطلب رأي محكمة العدل الدولية حول احتلال الضفة الغربية وغور الأردن والجولان والقدس، خاصة وأن القرار الذي صدر بأغلبية دول العالم جاء عشية استلام الحكومة اليمينية الجديدة مهامها الرسمية، وهي التي سبق لها من خلال اتفاقات الائتلاف أن وضعت بنودًا خاصة بمستقبل العلاقة مع السلطة الفلسطينية التي يتهمها الاحتلال بقيادة الجهود الدبلوماسية في المنظمة الأممية ضده.
صحيح أن ردود الفعل الإسرائيلية الصادرة للتو تكابر في الحديث عن أن القرار لن يغير الوضع على الأرض، ولن يمنع الاحتلال من الاستمرار في محاربة المقاومة، وحماية الإسرائيليين منها، وتعزيز مصالحه الأمنية، لكن ذلك لا ينفي حقيقة أن هناك انزعاجًا كبيرًا في أروقة الحكومة من تبعات هذا القرار، نظرًا لمآلاته السياسية والدبلوماسية غير المتوقعة بعد.
مع العلم أن اتفاق الائتلاف بين الصهيونية الدينية والليكود نص على أنه ما دامت السلطة الفلسطينية مستمرة في اتخاذ إجراءات في المحاكم الدولية ضد الاحتلال، فإن الحكومة ستضع سياسات وإجراءات ضدها، دون التقرير بعد ماهية هذه الإجراءات حتى كتابة هذه السطور.
للتذكير فقط فإن المعلومات الإسرائيلية المتوفرة قبيل التصويت جزمت بأن الاحتلال سيخسر فيه، رغم ما أجراه نتنياهو وهرتسوغ ولابيد من محادثات مع قادة العالم على أمل إحداث تغيير في نتيجة التصويت الذي جاءت نتيجته اعتبار المجتمع الدولي في أغلبية نسبية أن الوجود الإسرائيلي في الأراضي المحتلة غير قانوني، ويطلب من المحكمة التوصية بالإجراءات التي يجب أن تتخذها الأمم المتحدة ودول العالم ضد الاحتلال بسبب هذا الوجود، لأنه يشكل ضمّا لهذه الأراضي المحتلة.
فضلا عن رفض الاحتلال للقرار، فقد سارعت وزاراته والمؤسسات التابعة له لاعتباره مرحلة أخرى في الحرب السياسية ضده على أساس استغلال منظمات الأمم المتحدة والقانون الدولي، والهدف منه عزل وإضعاف دولة الاحتلال وفقًا لنموذج جنوب إفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري.
وقد بدأت الماكنة الدعائية الاحتلالية شن هجومها العنيف ضد شبكة المنظمات الحقوقية الفلسطينية والدولية، بما فيها الإسرائيلية، بزعم أنها تحصل على تمويل من الحكومات الأوروبية، وتقود دورا مركزيا في هذه التحركات، وهدفها الذي لا تخفيه في نهاية المطاف هو محاكمة الإسرائيليين في محكمة العدل الدولية في لاهاي، عقب إجراء تحقيق ضد الاحتلال فيها.
ما زال أمامنا أيام وأسابيع، وربما شهور قادمة، لمعرفة طبيعة السياسة الإسرائيلية المتوقعة إزاء القرار الأممي، سواء التعاون مع المحكمة الدولية أو مقاطعتها، أو إعلان قطيعة مع السلطة الفلسطينية، وتهديد بوقف إيصال أموال المقاصة إليها كإجراء عقابي، وصولا لحظر المزيد من المنظمات الحقوقية باعتبارها تحمل رأس الحربة في هذه المواجهة القانونية مع الاحتلال.