فلسطين أون لاين

نتنياهو يتربص بابن غفير الذي يقول "إن الزمن قد تغيّر"

"إذا اعتقدت حماس أنها إذا هددتني فسوف تردعني، فليفهموا أن الزمن قد تغير"، بهذه الجملة أنهى وزير الأمن القومي الجديد المستوطن المتطرف إيتمار بن غفير اقتحامه للمسجد الأقصى، ابن غفير يقتحم أمس المسجد الأقصى بصفته الجديدة، وهو وزير الأمن الداخلي، وهذا الاقتحام له دلالات جديدة تختلف عن تلك التي كانت تُقرأ من اقتحامه للمسجد الأقصى بصفته عضو كنيست، المختلف في اقتحام ابن غفير بالصفة الجديدة هو أن الصفة الرسمية التي يحملها تمثل توجُّهًا حكوميًّا رسميًّا إسرائيليًّا، وليس كما كان سابقًا، نشاط حزبي معارِض يُقدَّم للعالم أنه يأتي في سياق (الديمقراطية الإسرائيلية) التي لا يمكن أن تقمع حرية الرأي والتعبير، وهذا ما كان يُعبِّر عنه نتنياهو باستمرار بقوله: لا أستطيع منع عضو كنيست من زيارة "جبل الهيكل"، على حدّ وصفه.

إذن فالاقتحام أمس لابن غفير تحمل طابعًا رسميًّا، لكونه عضوًا في الحكومة (الإسرائيلية)، ولكونه يحمل حقيبة الأمن القومي، تلك المهمة التي يفترض بمن يحملها أن يمثل توجه الحكومة الأمني في التعامل مع قضية الأقصى، ولكون ابن غفير حصل على موافقة نتنياهو، فقد حظيت هذه الزيارة بغطاء حكومي رسمي.

ابن غفير يقول: إن الزمن قد تغير، وربما هذا ما قاله رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت حين حاول تغيير معادلة "الهدوء مقابل الهدوء" التي انتهجها سلفه نتنياهو في محاولة منه للظهور بمظهر بطولي لم يطُل وقته، وهي النغمة ذاتها التي يرددها السياسيون الصهاينة في أيامهم الأولى لدى توليهم مناصبهم الجديدة في محاولة لإظهار أنفسهم أكثر قوة من أسلافهم، ثم لا تلبث الأيام أن تكشف سوأتهم، ويضطرون تحت ضغط الواقع السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والمصالح المتشابكة إلى أن يستسلموا لهذا الواقع الذي طالما انتقدوه وهم معارضون، نغمة ادعاء القوة والجسارة لم تسعف من سبق بن غفير، بل ربما أودت بغيره إلى زوايا معتمة في أروقة السياسة الإسرائيلية، وكلنا يذكر تهديد أفيغدور ليبرمان -زعيم حزب "إسرائيل بيتنا"- الذي توعد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد إسماعيل هنية بالاغتيال في 48 ساعة في حالة توليه حقيبة الجيش، وعندما تولى هذا المنصب في مايو 2016 فشل في إنجاز وعده.

السيناريو الذي حدث مع ليبرمان أظنه سيحدث مع ابن غفير وسموتريتش، وهي اللعبة ذاتها التي يجيدها نتنياهو في تحييد الحلفاء الاضطراريين أو الخصوم السياسيين، وهي سياسة "الدفع إلى أعلى" والتي تترجم عمليًا بدفع السياسي كثير الصخب إلى أرفع المناصب وتركه ليواجه الواقع وحيدًا، مجردًا من سلاح النقد الذي أكسبه أصوات الداعمين، فتفعل عوامل التعرية السياسية الواقعية فيه فعلها فينكص على عقبيه، وهذا ما أفلح فيه نتنياهو حين دفع بليبرمان إلى وزارة الجيش، ثم كان السقوط المدوي لهذا المتطرف الذي كان كثير الصخب، وربما بدرجة أكبر من بن غفير وسموتريتش.

اقتحام الأقصى بهذا الشكل المختزل، ووفقًا لشروط قائد الشاباك من قبل ابن غفير كان عمليًّا تراجعًا واضحًا عن الصخب الذي اعتاد بن غفير أن يُطَعِّم به اقتحاماته، فقد كان خِلسة، ودون أن يشعر به أحد ولمدة لا تتجاوز ثلاث عشرة دقيقة، وكان أشبه بالتسلل منه إلى الاقتحام، أي كان اقتحامًا لذر الرماد في عيون المنتقدين الذين يتربصون بابن غفير، ولقد عبّر عدد من الإعلاميين الصهاينة عن اختزال هذه الزيارة بالمظهر الذي تمّت فيه بكثير من السخرية الممزوجة بالشماتة.

في المثل الفلسطيني وحين يوضع الشخص على المحك يقال: "هاي الجمل وهاي الجمال"، أي سنرى إذا كان هذا الجمال يستطيع قيادة الجمل بحنكة الجماليين المعروفة، ولقد وضع نتنياهو بن غفير وسموتريتش على قمة الجبل الذي ليس بعده إلا السقوط بالكيفية والطريقة ذاتها التي تعامل بها مع ليبرمان، هذا الأخير الذي لم نعد تسمع له صوتًا، سيمر بعض الوقت، وسيبدأ صوت بن غفير بالانخفاض شيئًا فشيئًا إلى أن يتحول الصخب إلى همس ثم إلى صمت مطبق، ويستمر بعدها نتنياهو في قيادة المشهد الإسرائيلي بذكاء الثعالب وخبثهم.

وسيبقى الوضع السياسي والعسكري يراوح مكانه في الآونة المقبلة، وهي سياسة نتنياهو التي أمسك فيها بزمام المشهد في الأعوام الخمسة عشر الماضية، ويبدو أنه ماضٍ في سياسته التي نجح فيها.

المشهد السياسي حسب ظني لن يتغير فيه شيء ما لم تتحرك المياه الفلسطينية الراكدة التي يحافظ على ركودها أبو مازن ما دام الانقسام الفلسطيني موجودًا، وما دامت الانتخابات معطلة، وما دام الفريق الذي يتحكم في القرار الفلسطيني لا يتغير.