فلسطين أون لاين

​كل الأبواب أُغلِقت في وجهها .. كفيفة أمام الميكروفون

...
الخليل / غزة - مريم الشوبكي

"أنتِ غير لائقة".. "عمياء".. "مستحيل أن تصبحي مذيعة"، كلمات كانت تشوش سمعي بغية هدم طموحي، ولكن "قلبي" و"عقلي" كانا يرفضانها، وهاتف ما في داخلي يقويني"، العمى ليس عمى البصر إنما عمى البصيرة"، لم أيأس وثابرت حتى أمسك "الميكروفون" وأتحدث عن وجعي الذي يمثل وجع ذوي الإعاقة.

إسراء أبو داوود 27 عامًا من مدينة الخليل، حاصلة على بكالوريوس أساليب تدريس لغة عربية من جامعة الخليل، ولدت بإعاقة بصرية كاملة، أحبت الإعلام منذ الصغر ولكن بسبب إعاقتها البصرية لم تتمكن من الالتحاق بالإعلام، فدرست اللغة العربية علها توصلها إلى المنبر الإعلامي.

الإعلام طموح

قالت أبو داوود لـ"فلسطين": "حينما أنهيت الثانوية العامة كان أمامي خياران إما دراسة الصحافة أو اللغة العربية، رغم ميولي نحو الصحافة إلا أنه كان من الصعب الالتحاق بها بسبب احتوائها على مواد تصوير، لذا اتجهت للخيار الثاني".

وأضافت: "دراسة اللغة العربية لم تحبطني بل العكس اتخذته لمدخل نحو التقديم الإذاعي، وهي ستصقل أساليب التقديم لدي".

ومنذ أن تخرجت "إسراء" راحت تبحث كغيرها من الخريجات عن فرصة عمل في مجال التدريس في مدارس حكومية وحتى خاصة، أو حتى جمعيات أهلية وأخرى خاصة بالمكفوفين والصادم بالأمر أنها لا توظف مكفوفين فجميع موظفيها من المبصرين، والجميع كان يذيل طلب التقديم لديها بعبارة "غير لائق" وهذا ما كان يستفزها.

لا وظيفة

وتحدثت "إسراء" عن تجربتها في إغلاق المجتمع جميع الأبواب في وجهها: "أحببت أن أعمل بشهادتي، ولكن للأسف الأماكن التي قدمت بها كانت تعتبر أن إعاقتنا البصرية تجعلنا غير قادرين على التدريس كغيرنا، ويعتبروننا غير لائقين".

وأكدت أن تلك المعيقات لم تحبطها بل قوتها، وجعلتها تثبت لكل شخص وصفها بغير اللائقة، أنها قادرة على إثبات وجودها في ميدان العمل، وهذه التعليقات هي التي جعلتها تصر على اقتحام مجال الإعلام.

وأشارت أبو داوود إلى أن حلمها كان تقديم برنامج خاص بذوي الإعاقة، لكي تحارب نظرة المجتمع الدونية نحوهم، إضافة إلى توعيته بأن ذوي الإعاقة قادرين على إثبات وجودهم والنجاح في أي عمل قد يفوق في أحيان كثيرة الأصحاء.

وقالت: "وبعد أن سدت أمامي فرص التدريس، سمعت عن دورة تقديم تقدمها شبكة عروبة في الخليل، والتحقت في هذه الدورة وحققت نجاحًا فيها بعد أن استطعت إثبات وجودي ورغبتي الجامحة في أن أصبح مذيعة، وبالفعل في شهر نوفمبر من عام 2016 قدمت برنامج نور على نور في راديو النجوم لمدة ثلاثة أشهر وحققت فيه نجاحًا ملموسًا بشهادة القائمين على الإذاعة".

فسحة أمل

وأعلنت أبو داوود أنها ستعود للإذاعة لتقدم برنامجًا جديدًا تحت اسم "فسحة أمل" على راديو النجوم، بدءًا من الأسبوع المقبل، وستطل على المستمعين ثلاث مرات أسبوعيًا، بعد أن قدمت لها عقدًا للعمل لديها في الإذاعة.

وبينت أن البرنامج يناقش العديد من قضايا ذوي الإعاقة والمشاكل التي يواجهونها، التواصل مع الجهات المعنية الحكومية والأهلية لإيجاد حلول لها، إضافة إلى توعية الناس وجهات حكومية لحل هذه، وتوعية الناس لتعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، إضافة إلى استضافة نماذج استطاعت أن تثبت وجودها.

ولدى سؤالها هل الشخص يستطيع أن يواجه المجتمع وحده مهما كان الإحباط، أجابت: "الإنسان يستطيع أن يغير نفسه بنفسه، لكن في نفس الوقت يجب أن يكون هناك من يأخذ بيده ويساعده ويسانده ويشجعه لكي يواصل حتى يحقق طموحه وألا ييأس ويحبط من التعليقات الهدامة".

ونوهت أبو داوود أن أمها وأباها كانا كلمة السر في حياتها، فهما لم يخجلا بأن يظهراها للمجتمع كما يخجل البعض من أبنائهم ذوي الإعاقة، وهما كانا السند لها ويشجعانها بقولهما: "أنتِ أملنا"، إضافة إلى تشجيع شخص تعتبره قدوتها هو الشاعر سائد الشيوخي الذي كان يقويها للاستمرار بقولها "أنت قوية" "نحن نأخذ الأمل والقوة منك".

رسالة للأهل

وأكدت أبو داوود أن التشجيع الذي تتلقاه ممن حولها جعل ثقتها بنفسها تزداد، سيما طاقم عمل راديو النجوم الذي وقف بجانبها وآمن بقدراتها ومنحها الفرصة لتظهر ما بداخلها، وتعمل جاهدة بألا تيأس حتى لا يخسرها الراديو الذي فتح لها الباب ووضع قدمها على أول الطريق.

ولا تكاد تنفك "إسراء" عن سماع التعليقات السلبية كونها كفيفة، وقالت عنها: "التعليقات السلبية التي أسمعها أكثر من الإيجابية، مثلا أنتِ ضريرة، عاجزة لا ترين، عمياء، أثناء دراستي الجامعية كانوا يتساءلون كيف سأنجح في تخصصي، وكانوا يقولون لي مستحيل أن تكوني مذيعة وحتى مدرسة، كانوا يكسرون من معنوياتي ولكني كسرتهم حينما أثبت نفسي".

و"إسراء" ممتنة كثيرا لراديو النجوم الذي وضع بصمة جميلة داخلها، وجعلها تزداد فخرا بإعاقتها وترفع رأسها أكثر وأنها تستطيع كأي فتاة غيرها، وممتنة أكثر لوالديها اللذين وضعا بها الثقة وآمنا بقدراتها وهذا ما جعلها تتحمل كل ما تسمعه من إحباطات.

وعن طموحها تحدثت: "أطمح أن أكمل في المجال الإعلامي، وأن أحصل على وظيفة بشهادتي الجامعية مثلي مثل أي شخص آخر، طموحي أن أجعل أكبر قدر من المجتمع يقتنع أن الإعاقة ليس عائقا ومعاقا، بل إن الجميع لديه عوائق في حياته".

ووجهت رسالة لأصحاب ذوي الإعاقة لا تيأسوا، وبل تمسكوا بالأمل ودائما قولوا "يا رب"، لا تستسلموا للإعاقة وكلام الناس، وللأهل أيضًا أقول لا تخجل من ابنك أو ابنتك وإعاقتهم؛ لأن الله لا يبتلي إلا الأشخاص الذين يحبهم، شجع ابنك وسانده وخذ بيده حتى ينجح وتصبح فخورًا به.