فلسطين أون لاين

​تحليل: زيارات كوشنير استنزاف للوقت وبلا رؤية للمفاوضات

...
عباس خلال لقائه مستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنير
غزة - يحيى اليعقوبي

تحاول السلطة الفلسطينية مسايرة الإدارة الأمريكية بالرهان على تدوير عجلة المفاوضات المتعطلة، بسلسلة من الزيارات التي باتت على يقين تام باستنزافها للوقت بعقد آمال على وسيط غير نزيه ودور ثبت فشله، في حين تسير الأراضي الفلسطينية المحتلة باتجاه مغاير لرغبة رئيسها محمود عباس، إذ باتت أقرب ما تكون إلى صراع مفتوح بكل أشكال المقاومة وبلا حدود، كما يرى محللان سياسيان.

وبدا عباس الذي استقبل مساء أول من أمس كبير مستشاري الرئيس الأمريكي جاريد كوشنير متعطشًا إلى إبرام صفقة تفاوضية، فقال في مستهل لقائه بالوفد: "إننا نقدر جهود ترامب لعقد صفقة سلام تاريخية".

وتناقلت وسائل إعلامية أن عباس ينتظر من كوشنير ردًّا مكتوبًا على أمرين أساسيين تصر عليهما السلطة الفلسطينية، وهما استئناف المفاوضات بناء على حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967م، وإدانة الاستيطان الإسرائيلي كونه معيقًا لعملية التسوية.

ثلاث مسائل

ويرى رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط جواد الحمد أن الإدارة الأمريكية يهمها ثلاث مسائل عند تناول التسوية الفلسطينية الإسرائيلية: أولها أنها تريد إبقاء مسيرة المفاوضات مستمرة لتبقى الدول العربية مرتبطة بمعاهدات مع الاحتلال، والثانية استمرار الدول العربية المطبعة مع الاحتلال بالتزاماتها السياسية والدبلوماسية وعدم التراجع تحت أي ظروف، وإن كان هناك اعتداء من الاحتلال على المقدسات الإسلامية بالقدس.

ويبين حمد في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن المسألة الثالثة تقوم على فتح مسار جديد للمفاوضات بناء على مخرجات القمة العربية الخليجية الإسلامية الأمريكية في الرياض أو ما عرف بـ"صفقة القرن"، تعمل خلاله الدول العربية على التطبيع علنًا مع الكيان العبري، "وقد يستغرق أربعة أعوام دون يحقق أي نتائج للفلسطينيين".

ويعتقد أن الدول العربية ستقدم مسوغًا لشعوبها لقبول هذا المسار بماكنة إعلامية تنفي الحاجة إلى المقاومة المسلحة باستخدام العديد من الشواهد لآثارها في الدول المجاورة، وبذلك يتحقق: وقف تمويل المقاومة وإدانتها، وإقناع الرأي العام بالتسوية خيارًا أقل تكلفة من المقاومة.

ومن وجهة نظر الحمد إن الجولة الـ19 للوفد الأمريكي لا تحمل أي شيء، وهي محاولة للضغط على الجانب الفلسطيني وكسب الموقف العربي، مع تقديم بعض العبارات التي أدخلت المشهد السياسي في نفق مظلم جديد، لافتًا أن الإدارات الأمريكية السابقة قدمت وعودًا أكثر دقة وتفصيلًا سابقًا كخريطة الطريق.

ولفت إلى أن الدول العربية تشكل عامل ضغط على السلطة، مع كل ما يقوم به الاحتلال من عمليات "إرهابية" ضد الشعب الفلسطيني.

ونبه إلى أن سياسة الإملاءات والتهديدات الأمريكية ستستمر في ظل موقف عربي ضعيف وموقف فلسطيني منهار، مذكرًا بأن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يريد أن تكون "يهودية الدولة" جزءًا أساسيًّا من المفاوضات.

وبين أن السلطة "لا تتعامل مع الكيان العبري على أنه دولة عدوة محتلة، بل تتعامل ويكأنها جزء من دولة، وتطالب بصلاحيات محدودة".

وأمام هذه التحديات لا تملك السلطة _بحسب ما يرى رئيس مركز الدراسات_ أي قوة تواجه بها، فهي مستسلمة للتنسيق الأمني وتتعايش معه بهدف تحقيق سلام اقتصادي، فضلًا عن الحماية الأمنية الكاملة للمستوطنين وقوات جيش الاحتلال التي تقتحم مخيمات ومدن الضفة، وأكد أن الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين "توحيد الجهود نحو انتفاضة بوسائل مدنية ومسلحة شاملة يشارك فيها عشرات الآلاف بكل المناطق".

استنزاف الوقت

ويرى الكاتب المحلل السياسي طلال عوكل أن الزيارة تواصلية في إطار استنزاف الوقت، ودفع عملية التطبيع العربية الإسرائيلية إلى الأمام دون تقديم أي شيء للفلسطينيين.

وأشار إلى أن زيارات كوشنير وفريقه خلال الشهور الثمانية الماضية لم تقدم رؤية أمريكية ومحددات واضحة لعملية التسوية.

وقال عوكل لصحيفة "فلسطين": "التطبيع يجري تحت عنوان الحل الإقليمي والدعم الاقتصادي، بهدف خدمة الاحتلال، وهذا يعني أن أمريكا ليس لديها تركيز على ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتحاول رهنه بالوضع العربي من خلال التطبيع"، مذكرًا بأن مبادرة السلام العربية أتت على التطبيع العربي الإسرائيلي شرطًا بعد انسحاب الكيان العبري من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، لكن ما يجري الحديث عنه اليوم هو خلاف ذلك تمامًا.

وفيما يتعلق بوضع السلطة أمام هذه الضغوط أكد عوكل عدم قدرة السلطة على مواجهة تلك الضغوط، نتيجة خلافاتها مع العديد من الدول العربية، وهشاشة الوضع الاقتصادي، فضلًا عن الانقسام الفلسطيني، "لذلك تستمر في السير على السياسة نفسها بالتعاطي مع الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية".

وتوقفت مفاوضات التسوية بين حكومة الاحتلال والسلطة منذ فشل آخر مبادرة أمريكية في نيسان (أبريل) 2014م، بسبب رفض الاحتلال الإسرائيلي وقف الاستيطان، وقبول حدود 1967م أساسًا للتفاوض، والإفراج عن أسرى فلسطينيين قدامى.

ويعود آخر اجتماع علني بين رئيس السلطة محمود عباس ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى عام 2010م، مع تقارير غير مؤكدة عن لقاءات سرية بعدها.