فلسطين أون لاين

تقرير كيف تُغير التكنولوجيا نمط علاقة الآباء بالأبناء؟

...
التكنولوجيا والآباء
غزة/ هدى الدلو:

تظهر دراسة أجراها فريق من علماء الاجتماع في جامعتي "بريغهام يونغ" و"بول ستيت" الأميركيتين أن آباء اليوم أكثر تفاعلًا مع أطفالهم من الأجيال السابقة، ورأت أن سبب ذلك هو تحول أدوار أولياء الأمور وظهورهم روتينيًا في ألعاب البيسبول الخاصة بالأطفال وغيرها، أو لعب أدوار أكثر في التطور الاجتماعي والعاطفي للطفل.

وتشير الدراسة إلى أن هذا التغيير في المواقف أدى إلى أن يكون الآباء أكثر دعمًا في الأوقات الصعبة، وأن يزوّدوا أطفالهم بمزيد من الدفء والطمأنينة.

يتحدث زهير أحمد وهو أب لأربعة أبناء، أن الحياة باتت مختلفة، وليست كما عهدها بالأمس، إذ إن دور التربية منوط بالأم، ومهمة الأب الأولى والأخيرة تقتصر على العمل، وجلب المال لتلبية احتياجات عائلته، أما اليوم فباتت المشاركة التربوية للأب أساسية في إدارة الأسرة بسبب تدخلات التكنولوجيا.

ويرى أن للتكنولوجيا أثرًا إيجابيًا في حياته، إذ بات أكثر تفاعلًا مع أبنائه من أي وقت مضى، كالصداقة بينهما على مواقع التواصل الاجتماعي، والشراكة في الحديث عن بعض المواضيع التي تهمهم، إلى جانب الاستفادة من التكنولوجيا في البحث عن أساليب تربوية حديثة تناسب العصر.

أما الفتى خالد علي "16 عامًا" فيقول: إن التكنولوجيا أتاحت له ولعائلته فرصة للاستمتاع بالوقت والتسلية بمشاهدة الأفلام، أو الألعاب الإلكترونية، والمشاركة بينهما في اللعب بين الآباء والأبناء ما زاد علاقته بوالده، إلى جانب أن لديه خبرة في التعامل مع التكنولوجيا وبعض المواقع ومساعدته لوالده.

في حين ناصر المصري "39 عامًا" الأب لثلاثة أبناء يقول: "الحياة في تغيّر دائم وبعض الظروف تحتم عليك التغيير، وخاصة مع تزايد الأدوار الاجتماعية الخاصة بالآباء، ومطالبة الأبناء مشاركتهم في النشاطات الشخصية والمدرسية".

ويشير إلى أن ذلك يقوي علاقة الأب بأبنائه، "كما لا أنكر أني اكتسبت بعض المهارات من ابني فيما يتعلق ببعض التطبيقات الإلكترونية والتعامل معها".

إزالة الحواجز

ومن جهته، يتحدث الاختصاصي النفسي إبراهيم التوم لصحيفة "فلسطين" أن التكنولوجيا ساهمت مساهمة جلية وكبيرة في تقريب البعيد، وفتح آفاق الاتصال والتواصل بين الحضارات والشعوب، وإزالة الحواجز الأسمنتية والأسلاك بين البلدان، وساهمت في تسهيل معاملات الأفراد، واختصرت الوقت والجهد والمال.

ويستدرك بالقول: "لكن يبقى لكل شيء إيجابياته وسلبياته، والتكنولوجيا في حد ذاتها سلاح ذو حدين وهذا يتوقف على طبيعة الاستخدام، وطرق التوظيف الصحيحة، وكيفية تفادي الأخطار والعوامل والعواقب، وهذا يعني أن التربية ليست بمعزل عن الواقع بل هي الواقع بكل تفاصيله".

لذا نجد أن التربية تأثرت وأثرت بالتكنولوجيا وأنماط التربية كذلك، وانعكس ذلك على الأسرة والمربين والتربويين والمؤسسات بجميع مستوياتها التعليمية.

ويؤكد التوم أن الأسرة هي نواة المجتمع وتتماهى مع تغير الأنماط والأساليب والطرق وأنواع الاتصال التقليدي، ويلفت إلى أن سيادة النمط الرقمي في الحياة العامة وتدخل التكنولوجيا في أدق تفاصيل التربية والتواصل بين أفراد الأسرة، وتنفيذ المهام والمتطلبات والمناسبات، "لكن غاب عن بعضها الروح والانتماء والجلسة الأسرية الدافئة، وضعفت العلاقات والاتصال والتواصل وجفت المشاعر والعواطف".

وفي المقابل يقول التوم: إن التكنولوجيا أذابت الفوارق العمرية بين الآباء والأبناء، ففي السابق كان لكل واحد منهم عامله الخاص مع زيادة الفجوة في العلاقات إذ إن الارتباط الأسري مكاني وليس وجدانيًا".

ويوضح أن مشاركة الأب في التربية واطلاعه على آخر التطورات، واستخدامه للتكنولوجيا أديا إلى زيادة الحوار والتواصل بين الآباء والأبناء، وظهور أجيال تساهم وتحافظ على تماسك المجتمع واستقراره.

نصائح

ومع ذلك فإن التوم يوجه نصائحه للتربويين بضرورة المحافظة على التواصل الأسري الطبيعي وجهًا لوجه قدر الإمكان، وتفعيل دور كل فرد من الأسرة، والعمل ضمن خلية، وليس الاتكال على الآخر، وإيجاد مساحات لتبادل الحوار، ومناقشة أحوال الأسرة يوميًا وأسبوعيًا، والتقليل قدر المستطاع في التواصل من النمط التكنولوجي، واستخدام لغة الحوار، ومشاركة أفراد الأسرة في جميع المناسبات الأسرية والعائلية والاجتماعية، للحفاظ على تماسك الأسرة واستقرارها، والبعد عن النمط الرقمي في التهاني والمشاركات.

ويؤكد ضرورة متابعة الآباء لأبنائهم، وإيجاد أجواء دافئة أسرية قائمة على مشاعر الحب والانتماء والاحترام والتقدير، وإزالة مشاعر العنف والحقد والتميز، وإيجاد أنماط تربوية قائمة على المساواة والحوار والاتصال والتواصل الإيجابي، وتشجيع الآباء للأبناء للتعبير عن آرائهم، ومشاعرهم، وأفكارهم وما يجول في خواطرهم دون تحجيم أو تقييد.

كما حث على أهمية التعامل مع التكنولوجيا بما يدعم ويعزز ويساند استقرار تماسك الأسرة، والتقليل من الاستخدام المفرط لها في جميع تفاصيل وأنماط التربية، وتوظيفها.