منذ اتفاقية التطبيع الأخيرة التي كانت بين (إسرائيل)، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمغرب زادت الضغوط السياسية والإعلامية من أمريكا و(إسرائيل) عبر إعلامهما وتصريحات سياسييهما، تتحدث عن قرب التطبيع العُماني أو السعودي مع المحتل الإسرائيلي.
هذه التصريحات في بعض الأحيان كان تخرج من الدائرة الاستخباراتية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهذا الأمر كانت له دلالات معينة أرادت (إسرائيل) منها جعل أمر التطبيع العماني واقعًا لا محالة، لكونه يخرج من مسؤولين في تلك الدائرة، التي تكون في العادة على علم بكل التفاصيل، فهي من تصنعها لتُوحي للشارع العماني والعربي وقبله الشارع الإسرائيلي أن عملية التطبيع مع بقية الدول الخليجية أصبحت أمرًا واقعًا لا مفر منه، خاصةً بعد التطبيع الإماراتي والبحريني مع (إسرائيل).
هذه التكهنات كانت تقابل لدى السياسيين العمانيين بالصمت كما هي عادة السياسة العمانية التي لا تعمل بإستراتيجية الصخب الإعلامي، فخطواتها مدروسة لا تعتمد على ردة الفعل أو الإملاءات الخارجية التي تأتي وفق معطيات سياسية معينة تصب في صالح بعض الدول في المنطقة، فالسياسة العمانية باعتراف الجميع، هي سياسة تعمل بعقلانية ووفق ثوابت وطنية عمانية وعربية، وجزء منها القضية الفلسطينية، وذلك بإيجاد حلول لها حسب ما تعرف بـ"مبادرة السلام العربية" عام 2002، وهو أن تكون لفلسطين دولة مستقلة بحدود عام 1967، وهو أقل ما يمكن الحصول عليه من المحتل الإسرائيلي، فهل تحقق ذلك لفلسطين لكي نرفع راية "السلام" مع إسرائيل؟
الضغوط الأمريكية الإسرائيلية مع حلفاء (إسرائيل) في المنطقة على سلطنة عمان زادت مؤخرًا، خاصة بعد سماح المملكة العربية السعودية للطيران الإسرائيلي باستخدام الأجواء السعودية لشركات الطيران الإسرائيلية بالعبور منها، هذا الأمر فُسر في (إسرائيل) بأنه بداية لتطبيع بقية دول الخليج ومنها سلطنة عمان، فكان يظن الإسرائيلي ومن وراءه الأمريكي، بأن مسألة فتح الأجواء العمانية لشركات الطيران الإسرائيلية هي مسألة وقت قصير، خاصة بعد أن سمحت السعودية لـ(إسرائيل) باستخدام أجوائها في الرحلات التجارية، الذي لن تنتفع (إسرائيل) منه تجاريًا إلا بفتح الأجواء العمانية للطيران الإسرائيلي، ومن هنا زادت الضغوط على سلطنة عمان، وكثرت التصريحات بموافقة سلطنة عمان أو قرب موافقتها على هذا الأمر.
فجاءت مسألة رمي الحكومة العمانية الكرة في ملعب مجلس الشورى العماني بما يخص قضية التطبيع مع (إسرائيل) ذكاء وفطنة، فنحن نعلم أن الغرب وأمريكا يتشدقون بقضية الديمقراطية، التي من أبرز صورها البرلمانات الحرة في دول العالم، فهي صوت الشعب أمام الحكومة، ورمز مشاركتها الحكم، وذلك بسن القوانين، وعرضها للتصويت، فكانت مسألة عرض قضية التطبيع بتوسيعها أو تضييقها أمام مجلس الشورى العماني، فهو صوت الشعب المنتخب كما في أدبيات الديمقراطية الغربية.
مجلس الشورى العماني لم يخيب آمال العُمانيين، فهو يعلم المزاج العام للشارع العماني الرافض للتطبيع بجميع أشكاله. وكيف له أن يوافق على التطبيع وجرائم هذا النظام نراها مباشرةً بأمّ أعيننا عبر وسائل الأعلام المختلفة؟ فما كان من هذا المجلس إلا أن سدد الكرة في المرمى الصحيح وأثلج صدور العمانيين بتغليظ وتجريم أي تواصلٍ عماني مع (اسرائيل) تحت مسمى التطبيع وتوسيع مقاطعة (إسرائيل)، وهذه صفعة لنتنياهو وحكومته الجديدة، فهو يعني تبديد الحلم الإسرائيلي في عملية التطبيع مع سلطنة عمان، وننتظر من هذا الإجماع أن يتحول إلى قانون مكتوب في الدولة بعد إجماع أعضاء مجلس الشورى العماني عليه.
التصريحات توالت بعد إجماع مجلس الشورى العماني بتوسيع نطاق المقاطعة ضد الكيان الصهيوني، فوزير الخارجية العماني يقول عبر وكالة (إرنا الإيرانية) "إن قرار مجلس الشورى العماني بتجريم التطبيع مع (إسرائيل) يعد تجسيدًا لتطلعات الشعب العماني" وطبعًا هنالك تصريحات أخرى ضد هذا الإجماع فهو يخالف ما كانت تنتظره من قُرب التطبيع العماني الإسرائيلي، وعولت على ذلك بأن دولًا خليجية طبعت، وأخرى ترسل رسائل توحي بقرب التطبيع ، ولم تعلم هذه الجهات بأن السياسة الخارجية لسلطنة عمان، سياسة مستقلة لا تتأثر بأي دولة أخرى، ولا يملي عليها أحد ماذا تصنع أو تفعل في شأنها الداخلي أو الخارجي؟
إن سياسة رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني هي صوت الشارع العربي وما رأيناه في "مونديال كأس العالم في قطر" هو شاهد على فشل ما تعول عليه (إسرائيل) في قبولها لدى الشارع العربي، فأعلام فلسطين كانت حاضرة، والرفض للتحدث مع الإعلام الإسرائيلي من قبل العرب، وحتى غير العرب كان واضحًا ومخيبًا لتطلعات السياسيين الإسرائيليين بنسيان القضية الفلسطينية وحصرها فقط عند الفلسطينيين، لذلك ما أقرته سلطنة عمان متمثلًا بمجلس الشورى هو ترجمة للواقع العماني العربي والإسلامي الرافض للتطبيع بجميع أشكاله ما دامت الأرض العربية محتلة من (إسرائيل)، فتحية إكبار وإجلال لهذا المجلس الذي أثلج صدور العمانيين والعرب والمسلمين.