وقف الفلسطينيون احترامًا أمام شجاعة الشهيد عدي التميمي، حين تحدى حتى الرمق الأخير وابلًا كثيفًا من العيارات النارية التي حاولت ثنيه عن إفراغ رصاصات مسدسه تجاه "حراس أمن" مستوطنة "معاليه أدوميم" يوم 19 أكتوبر 2022.
ظهرت بسالة الشاب العشريني بمقطع فيديو التقطته كاميرات المراقبة الأمنية، لم يقلّ في عنفوانه جرأة عن لحظة ترجله من سيارة مدنية عند حاجز شعفاط العسكري مساء الثامن من الشهر ذاته مباغتًا تجمعًا لجنود الاحتلال بعملية إطلاق نار نفذها من "مسافة صفر"، فقتل مجندة، وأصاب جنديَّيْن آخرَيْن.
والتميمي من سكان مخيم شعفاط شرق القدس، وهو واحد من بين فلسطينيين آخرين نفذوا رزمة عمليات نوعية ضد قوات الاحتلال والمستوطنين في عام 2022م، تنوعت بين إطلاق نار وطعن، قتل في إثرها ما لا يقل عن 29 جنديًا ومستوطنًا وهو الرقم الأعلى لخسائر الاحتلال البشرية في عام واحد منذ 2015.
اقرأ أيضاً: "البطش" يدعو إلى تصعيد المقاومة في الضفة الغربية
ونفذت العمليات في الضفة الغربية والقدس والداخل المحتل منذ عام 1948، التي واكبت تصعيدًا في جرائم القتل والإعدامات الميدانية التي ينفذها جنود الاحتلال والمستوطنون بحق الفلسطينيين، وفي الاقتحامات الاستفزازية شبه اليومية للمسجد الأقصى المبارك.
منحى تصاعدي
وفي 2022 نفذ فلسطينيون نحو 7216 عملًا مقاومًا، من بينها 413 عملية إطلاق نار، استنادًا إلى رصد ميداني لمركز المعلومات الفلسطيني "معطى"، وهي امتداد لسلسلة عمليات إطلاق نار تصاعدت منذ معركة سيف القدس في مايو 2021، ومثلت بحسب مراقبين مصدر إلهام للشباب الفلسطيني الثائر في جميع ربوع الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فقد أشعل الشهيد محمد أبو القيعان فتيل الشرارة الأولى لعمليات 2022 في 22 مارس، حين نفذ عملية دهس وطعن في مدينة بئر السبع أدت إلى مقتل 4 جنود وإصابة آخرَيْن.
ولم تستفق منظومة الاحتلال الأمنية من هول الضربة حتى باغتها الشهيدان إبراهيم وأمين اغبارية بعملية إطلاق نار جديدة في مدينة الخضيرة في 27 مارس، قُتل فيها مستوطنان وجرح 12 آخرون.
وأضاف الشهيد ضياء حمارشة 5 مستوطنين إلى غلة القتلى الإسرائيليين بعملية إطلاق نار في (تل أبيب) يوم 29 مارس، إضافة إلى إصابة 6 آخرين.
وعلى مقربة من المكان ذاته، زاد الشهيد رعد خازم من جرعة الرعب بين المستوطنين، لمّا قتل منهم 3 وجرح 15 آخرين بعملية إطلاق نار في 7 إبريل.
وعلى غرار هذا العمل المقاوم، نفَّذ الأسيران يحيى مرعي ويوسف عاصي في 29 إبريل عملية مسلحة في مستوطنة "آرئيل" بسلفيت، أدت إلى مقتل مستوطن، ولحق بركبهما يوم 5 مايو الأسيران أسعد الرفاعي وصبحي عماد حين نفذا عملية إطلاق نار وطعن في مستوطنة "إلعاد" شرق (تل أبيب)، قُتل فيها 3 وأصيب 4 آخرون.
وحجز ضابط إسرائيلي مكانًا له بين أسماء القتلى الإسرائيليين هذا العام، وهذه المرة على يد الشهيدين أحمد وعبد الرحمن عابد، بعملية إطلاق النار نفذاها قرب حاجز الجلمة في جنين يوم 14 سبتمبر.
وبرزت مجموعة "عرين الأسود" بعملية إطلاق نار نفذها مقاتلوها قرب مستوطنة شافي شمرون شمال غرب نابلس في 11 من أكتوبر، أدت إلى مقتل جندي إسرائيلي.
اقرأ أيضاً: المقاومة في الضفة والقدس تسجل أرقاماً قياسية في عملياتها
وفي 14 أكتوبر أطلق الشهيد القسامي قيس عماد شجاعية رصاص بندقيته نحو مستوطنة "بيت أيل"، فأصاب مستوطنًا، وقبل نهاية الشهر، وتحديدًا في يومه الـ 29، نفذ الشهيد محمد الجعبري عملية إطلاق نار قرب مستوطنة "كريات أربع" شرق الخليل، أردى فيها إسرائيليًا صريعًا، وأصاب 5 آخرين.
في حين لقي 3 مستوطنين مصرعهم، وأصيب مثلهم بجروح خطيرة، بعملية طعن نفذها الشهيد محمد صوف في 15 نوفمبر، في مستوطنة "أرئيل" بسلفيت شمال الضفة الغربية المحتلة.
أما يوم 23 نوفمبر فلم يكن عاديًا للمستوطنين والمنظومة الأمنية الإسرائيلية، فقد شهدت مدينة القدس في ذاك اليوم عمليتي تفجير عن بعد، أسفرتا عن مقتل إسرائيليين وإصابة 22 آخرين.
وفي 7 ديسمبر استشهد المحرر مجاهد حامد من سلواد، بعد أن نفذ عملية إطلاق نار تجاه أهداف الاحتلال قرب مستوطنة "عوفرا" شرق رام الله.
تأثيرها كبير
ويقول محللون سياسيون فلسطينيون: إن هذه العمليات أربكت بمجموعها منظومة الاحتلال الأمنية، التي وقفت عاجزة عن إبطال مفعولها، وأثبتت أنه ليس بمقدورها منع حدوثها ولا التقليل من خسائرها وتداعياتها.
فما ميزها، بحسب المختص في الشأن الإسرائيلي، عماد أبو عواد، أنها اختلفت عن غيرها من السنوات الماضية بأنها "قليلة العدد كبيرة التأثير".
وقال أبو عواد لصحيفة "فلسطين": "إذا ما قارناها بانتفاضة السكاكين (2015-2016) فقد كان عدد العمليات وقتها كبيرًا، لكن تأثيرها أقل من تلك التي وقعت في 2022".
وأشار أبو عواد إلى أن عمليات هذا العام وإن حملت طابعًا فرديًا إلا أن منفذيها كانوا ينتمون فكريا إلى فصائل فلسطينية، وكان واضحًا التخطيط المسبق لها من جانبهم وليست عمليات عفوية.
وعدَّ مشاركة فلسطينيين من الداخل المحتل بهذه العمليات "أمرًا طبيعيًا"، بالنظر إلى عمليات التضييق التي يعانونها، كبقية الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، و"أعتقد أن هذا مرتبط بالحالة التاريخية الفلسطينية التي شهدت انخراط فلسطينيين في الداخل بكثير من العمليات في الانتفاضة الثانية (2000-2005) التي دلت شواهد كثيرة على مشاركتهم فيها".
تطور واتساع
وقال الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف: إن ما ميز عمليات عام 2022 أنها في تطور واتساع كبيرين في الضفة الغربية.
وأضاف الصواف لصحيفة "فلسطين" أن نجاح المقاومين في تنفيذ عملياتهم في الداخل المحتل على الرغم من تحذيرات الاحتلال واستنفاره يؤكد فشل منظومته الأمنية.
وتابع: إن هذه العمليات مثلت "صفعة قوية" لأجهزة أمن الاحتلال، الأمر الذي انعكس على معنويات الرأي العام الإسرائيلي، واضطرابه، وعدم ثقته بمنظومته الأمنية.
اقرأ أيضاً: ملاحقة الرايات ومصادرتها.. مهمة جديدة لأجهزة السلطة لوأد المقاومة في الضفة
وجزم أنه "لولا تعاون أجهزة الأمن التابعة للسلطة "لتمكنت المقاومة من هز الكيان ومنظومته الأمنية والعسكرية".
وذهبت تقديرات الصواف بأن المقاومة تتجه نحو التوسع في العام القادم "بشكل أوسع وأكثر دقة".
ووضع على طاولة عام 2023 احتمالية أن يدخل المقاومون أدوات جديدة في ساحة الصراع، خاصة أن التهديدات الإسرائيلية في ظل حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو ستزداد، والإعدامات الميدانية ستتسع، وسيستمر تدنيس المقدسات.
وتابع الصواف أن العام الجديد مرشح بأن يشهد انتفاضة مسلحة كبيرة ونوعية، وهذا ما يحذر منه قادة الاحتلال العسكريون والسياسيون.