فلسطين أون لاين

تقرير أبو الرعد خازم.. هدَم "معبد دايتون" وصار أيقونةَ الثائرين

...
خلال جنازة نجله الشهيد
رام الله-غزة/ محمد المنيراوي:

لمع نجم فتحي خازم "أبو الرعد" عقب خروجه مفتخرًا باستشهاد نجله رعد (29 عامًا) منفذ عملية "ديزنغوف" البطولية، إذ ظهر أول مرة من أمام بيته في جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، تلتف حوله جموع المهنئين وهو يرثي شهيد فلسطين الذي أثلج قلوب المقهورين.

ففي 7 أبريل/ نيسان 2022، امتشق رعد سلاحه الرشاش ووصل من جنين إلى شارع "ديزنغوف" وسط (تل أبيب) وبدأ بإطلاق النار على المحتلِّين، وهو يتنقل من مكان إلى آخر، مع فقدان قوات الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على الموقف المفاجئ والصادم، وقد أسفرت العملية البطولية عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة 16 آخرين، وانسحابه بسلام.

اقرأ أيضًا: رسالة جديدة من المطارد فتحي خازم

وعقب تسع ساعات من المطاردة، اشتبك الشاب "خازم" مع جيش الاحتلال مجددًا وارتقى صباح اليوم التالي الموافق 8 أبريل، تاركًا خلفه شعبًا يتغنّى بعهد عمليات "ديزنغوف" الفدائية التي هندسها المهندس يحيى عياش وشكّلت محطةً مفصليةً في مسيرة المقاومة الفلسطينية.

وفي يوم الشهادة؛ وقف أبو الرعد أمام حشد من الجماهير يخطب فيهم مرتجلًا بثبات الصابرين، في خطبةٍ وُصفت بالتاريخية، تداولها أبناء الشعب الفلسطيني لما فيها من رصانةٍ وصبرٍ وحكمةِ ذوي الشهداء، ومن بعدها صار أيقونةً للثائرين، ووضعه الاحتلال على رأس "قائمة المطلوبين".

بدأ الخناقُ يَضيق على والد الشهيدين، بعد طلب السلطة منه تسليم نفسه لأجهزتها الأمنية وممارسة الضغوط عليه، إلا أنه رفض، قائلًا في خطاب له: "فقدتُ فلذة كبدي ويبحثون عن بقية أفراد أسرتي، وأسأل الله ألا يصلوا إلينا، ثم يطلب أعدائي وبعض أبناء جلدتي أن أُسلّم نفسي، لن أفعل حتى أتسلم جثمان ابني".

إجماع فلسطيني

الباحث في مركز الميدان للدراسات والأبحاث ثامر سباعنة رأى أنّ "أبو الرعد" صار ملاحقًا لأنه بات نموذجًا تُخشى عواقبه بسبب حالة الإجماع الوطني التي تركها بين المقاومين وأبناء شعبنا، إذ لا يسمح الاحتلال بوجود قائد ثوري يُجمع عليه كلَّ الفلسطينيين، لذلك حاول أكثر من مرة اعتقاله عبر اقتحام مخيم جنين، إلا أنّ جميع محاولاته باءت بالفشل.

وأوضح سباعنة لصحيفة "فلسطين" أنّ "أبو الرعد" بات أيقونةً ونموذجًا وملهمًا يعتز به كل فلسطيني، إذ تجد آلاف الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر صورته وتشيد به، فهو والد الشهيدين، وصاحب منزلين مدمرين، إضافة إلى أنه أصبح مطاردًا، بل يعده الاحتلال المطلوب الأول في جنين والأخطر، مشيرًا إلى أنّ وسائل إعلام عبرية وصفته بأنه الشخصية الأكثر تأثيرًا في الضفة الغربية.

وبيَّن أنّ كل تلك المقومات جعلت من "أبو رعد" مثالًا للتضحية والفداء الحقيقي، وصورةً من صور الثبات التي يحتاج إليها الشباب الفلسطيني، وقدم خطابًا دينيًّا بعيدًا عن البُعد التنظيمي، وهو ما جعله قريبًا لقلوب ونفوس الفلسطينيين، ولامس فطرتهم.

ورغم أنّ "أبو الرعد" عقيد متقاعد من قوات الأمن الوطني إلا أنّ ذلك لا يشير إلى تحولٍ في نهج تلك الأجهزة أو تغيُّر في عقيدتها الأمنية، فهو عجّل تقاعده منها وتبنَّى خطابًا يتعارض مع نهج السلطة، ودعا أبناء أجهزتها للتحول إلى نهج المقاومة وترك نهج التنسيق الأمني، وفق سباعنة.

وفي 28 سبتمبر/ أيلول 2022، ارتقى الابن الثاني لـ"أبو الرعد"؛ عبد الرحمن (27 عامًا) في معركة محتدمة مع جيش الاحتلال بمخيم جنين إلى جانب عدد من المقاومين، فخرج والده المطارد مجددًا في مقطع فيديو وهو يرثيه، ويدعو عناصر أجهزة أمن السلطة للوقوف إلى جانب أبناء شعبهم وأن ينحازوا للمقاومة.

اقرأ أيضًا: لأول مرة.. الإعلام العبري يُعلّق على شخصية المطارد فتحي خازم.. ماذا قال؟

وبعدما تحول "أبو الرعد" إلى أيقونة ورمز للثائرين، بدأت حركة فتح وبعض عناصر السلطة يحاولون إظهاره أنه ابن الحركة والأجهزة الأمنية، في محاولةٍ للصعود على سمعته وقبوله في الشارع، وخاصةً بعدما أصبح نهج السلطة مرفوضًا ومنبوذًا، وباتت الجماهير تُدرك أنها ما هي إلا حارس يحمي الاحتلال ولا يقدم شيئًا لشعبنا، يضيف سباعنة.

ووصف سباعنة ما يحدث بين أبناء حركة فتح بأنه "حالة من الانفصام"، مفسرًا ذلك بأنّ الكثيرين منهم وخاصة أبناء الأجهزة الأمنية يؤيدون من جهة السلطة ويُقتادون بعقيدتها، ومن جهة ثانية يهتفون للمقاومة ويُقدِّمون "أبو الرعد" على أنه رمز من رموز فتح والسلطة "وهو أمر غريب يُظهر التباين الواضح لديهم، وذلك كما خطاب فتح؛ تتحدث عن المقاومة وحماية الشعب الفلسطيني وفي المقابل لم تتوقف الاعتقالات السياسية وملاحقة المقاومين على أرض الواقع".

من زمن الثورة

من جانبه، نبّه الكاتب والباحث السياسي ساري عرابي إلى أنّ "أبو الرعد" كادر قديم من كوادر السلطة الذين كان لهم تاريخ نضالي وانخرطوا في الأجهزة الأمنية التي ضمت تاريخيًّا العديد من هذه النوعيات الوطنية التي جاءت من الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو عادت مع مقاتلي الثورة الذين كانوا في الخارج، وشاركوا في هبة النفق، والانتفاضة الفلسطينية الثانية، وغيرهما.

ونبَّه عرابي في حديث لـ"فلسطين" إلى أنّ كوادر السلطة والأجهزة الأمنية وحركة فتح هم من أبناء الشعب والقضية، يُلاحظون ما يتعرض له الفلسطينيون من ارتقاء شهداء وإذلال على الحواجز واعتداءات على المسجد الأقصى واقتحام المنازل والمناطق، ويتأثرون بهذه المشاهد اليومية، فضلًا عن أنَّ جزءًا أساسيًّا من تاريخ حركة فتح هو تاريخ نضالي.

واستدرك بأنّ تحولات كبيرة طرأت على ذلك التاريخ، إذ باتت أدوار السلطة مرفوضة، وصار الكادر الفتحاوي يعيش حالةً من التناقض بين واجبه النضالي وتاريخ حركته الذي يتغنّى به، والواقع المؤلم على مستوى الاحتلال وسياسات السلطة وارتباطه بمشروعها، لكون مشروع السلطة هو مشروع حركة فتح.

وكان عضو المجلس الثوري لحركة فتح جمال حويل وصف "أبو الرعد" بأنه "شيخ المطاردين"، مضيفًا: "لا يستسيغ أحد الكلام في حضرة من فعل ثم قال، إنه شيخ المقاومين وشيخ المطاردين في فلسطين، الجنرال الأكبر أبو رعد الذي أصبح أيقونةً للمقاومة وملهمًا للأجيال".

اقرأ أيضًا: فتحي خازم.. أيقونة وطنية تنسف عقيدة "دايتون" الأمنية

وأشار عرابي إلى أنّ الكادر الفتحاوي تظهر عليه حالة التناقض بهتافه للمقاومة وأحيانًا الانحياز لها عمليًّا، وفي الوقت نفسه الاستمرار داخل مشروع السلطة، معربًا عن اعتقاده أنّ الحقائق اليوم أوضح من أيّ وقت مضى، وأنّ التحول للثورة يحدث تدريجيًّا.

وبدا "أبو الرعد" كمن يهدم "معبد كيث دايتون"؛ وهو الجنرال الذي رشّحته الإدارة الأمريكية ليعمل منسقًا أمنيًّا بين السلطة والاحتلال عام 2005، وتدريب كوادرها ومدّها بالسلاح، ومن حينها والتنسيق الأمني الذي وصفه رئيس السلطة محمود عباس بـ"المقدس" يُلاحق أيّ عمل مقاوم أو من يدعو له.

وأضاف عرابي أنّ الواقع السياسي للسلطة أصبح مكشوفًا أكثر من أي وقت مضى، وذلك لأنّ المشروع السياسي لها انتهى، إذ لم تعد قادرة على أن تعِد الفلسطينيين بدولة، أمام استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتفشي الاستيطان والجرائم.

وتوقَّع أن يزداد المشهد في الضفة الغربية اشتباكًا، مع وجود حكومة الاحتلال اليمينية التي لا تقيم وزنًا للكثير من الحسابات التي كانت تقيمها حكومات إسرائيلية سابقة، فضلًا عن نفوذ أحزاب متطرفة فيها، ما قد يُفضي لاتساع رقعة الجرائم الإسرائيلية وما يقابلها من تصاعد حالة المقاومة وزيادة إحراج السلطة.