خشية إسرائيلية من تآكل الالتزام الأمريكي في دعم الكيان المحتل بعيد تولي حكومة الاستيطان الفاشية التي يتزعمها بنيامين نتيناهو بالشراكة مع عتاة التطرف في اليمين الديني من حزب الصهيونية الدينية بزعامة بتسلئيل سموتريتش وحزب قوة اليهود بزعامة ايتمار بن غفير وحزب "نوعام" بزعامة آفي ماعوز.
الحكومة الجديدة الممثلة بقوى اليمين الديني المتطرف تنسف بالكامل مقولة القيم المشتركة التي تزعم دولة الاحتلال أنها تجمعها بالولايات المتحدة كدولة قائمة على الحقوق المتساوية والحريات الديمقراطية؛ عطب يخشى مراقبون ومحللون استراتيجيون داخل الكيان أن يمتد أثره نحو تآكل الالتزام الأمريكي تجاه الكيان في المحافل الدولية.
ضابط الاستخبارت الإسرائيلي السابق إلداد شافيت في مقاله التحليلي (من القدس إلى واشنطن: أهمية الحكومة الإسرائيلية الجديدة) المنشور على موقع معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS؛ عبر عن هذا القلق بقوله: سيكون للسلوك الإسرائيلي وخصائص العلاقة بين الدول في العامين المقبلين تأثير جوهري طويل المدى في ضوء العمليات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية الحالية في الولايات المتحدة، وحتى لو لم يكن بعضها مرتبطًا بشكل مباشر بالنسبة لـ(إسرائيل)، يمكن أن يساهم في تآكل الالتزام الأمريكي تجاه (إسرائيل).
قلق إلداد مزدوج نابع من التحولات الديموغرافية والسياسية داخل الولايات المتحدة ومن التحولات السياسية والاجتماعية داخل الكيان الإسرائيلي؛ فمقابل صعود الأقليات واليسار والتقدميين في أمريكا نجد صعودا وتجذرا لليمين الديني الأرثذوكسي في الكيان الإسرائيلي؛ ما دفع إلداد للقول بحتمية الصدام بين (إسرائيل) وإدارة الرئيس بايدن وهو الصدام الذي سيبلغ درجة عالية من الخطورة باقتراب موعد الانتخابات الرئاسية وارتفاع مستوى الاستقطاب في الساحة الأمريكية؛ موصيا بتجنب الانخراط في هذه المواجهة الصعبة والساخنة في أمريكا.
مساعي رئيسة دائرة "الشتات" في وزارة الخارجية الإسرائيلية، شولي دافيدوفيتش قبل أسبوعين لاستباق واحتواء تداعيات تشكيل الحكومة الفاشية السادسة لنتنياهو بلقاء مندوبي المنظمات اليهودية الأمريكية في سفارة الكيان المحتل في واشنطن انتهت إلى الفشل؛ بتهديد قادة المنظمات بتنظيم تظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن احتجاجا على تشكيل حكومة نتنياهو الفاشية الداعية لتعديل "قانون العودة" و"قانون التهود" بحسب ما نقل عن موقع واللا العبري.
جهود تجنب الصدام والمواجهة مع الولايات المتحدة تواجه صعوبات حقيقية؛ فحكومة نتيناهو الفاشية أطلقت ديناميكيات معقدة لا يقتصر أثرها على الأراضي المحتلة والشعب الفلسطيني؛ إذ امتد أثرها للمجتمع اليهودي في أمريكا الذي هددت منظماته الأمريكية بنقل المحتجين في طائرات من أمريكا إلى القدس للتظاهر ضد حكومة نتنياهو الفاشية.
مشهد الصدام الدامي بين المتظاهرين اليساريين الإسرائيليين في الخليل والمستوطنين وجنود الاحتلال مرشح للتكرار مجددا في حال تدفق النشطاء من أمريكا؛ مكررا معه مأساة الناشطة الأمريكية راشيل كوري التي قتلها جيش الاحتلال في قطاع غزة في العام 2003؛ ولكن تحت عناوين جديدة لا تتعلق بالتضامن مع الشعب الفلسطيني بل مع الشرائح المجتمعية المتضررة من حكم الليكود واليمين الديني في الكيان المحتل.
القيم المشتركة إحدى ركائز العلاقة الأمريكية مع الكيان الإسرائيلي المحتل تعاني من التفكك والتحلل التلقائي الناجم عن صعود اليمين الاستيطاني الفاشي داخل الكيان وتوسع الفجوة بينه وبين المجتمع اليهودي في أمريكا بالتزامن مع صعود التقدميين خصوصا داخل الحزب الديمقراطي؛ تفكك وتآكل يتوقع أن يترك أثرا محدودا على المصالح الجيوسياسية الصلبة التي تجمع الكيان الإسرائيلي بالولايات المتحدة في المدى القصير والمتوسط غير أنه يتوقع أن يترك أثرا في آليات إدارة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي وفي إضعاف زخم التطبيع وجهود الهندسة الجيوسياسية للمنطقة العربية على المقاس الإسرائيلي.
ختاما.. الدولة العميقة والمؤسسات السيادية في أمريكا نجحت في مقاومة تأثير القيم المشتركة لفترة طويلة لحساب المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية في أكثر من واقعة وحادثة والشواهد على ذلك كثيرة في العالم يمكن تتبعها من تشيلي بينوشيه إلى جنوب إفريقيا والأبارتهايد إلى فيتنام؛ وهي شعوب عانت من ازدواجية المعايير الأمريكية كما عانى الشعب الفلسطيني في التعامل مع الاحتلال؛ ونجاحها لم يرتهن بترقب التحولات في أمريكا وصعود التيارات الوجودية وحركات الحقوق المدنية بل بمقاومتها وقدرتها على المواجهة والصمود في إسقاط الدكتاتورية والأبارتهايد والاحتلال.