وأنتَ تتجول بين المجسمات في أروقة معرض "حجرلوجيا" المقام في مركز البيرة الثقافي في محافظة رام الله والبيرة، تشعر أنك في رحلة استكشافية للمعالم الدينية والتاريخية في البلدة القديمة بمدينة القدس المحتلة الذي يحرُم عليك لكونك فلسطينيًّا من زيارتها.

تعريف الشباب

فالفنان المقدسي عبد الجليل الرازم صنع المجسمات ثلاثية الأبعاد بإتقان متناهٍ لتحاكي الأصلية منها، التي أزال الاحتلال الإسرائيلي بعضها واختفت تمامًا كحيّ المغاربة في عدوان عام 1967م، ولكن أصرَّ على إعادة إحيائها وتعريف الأجيال الشابة بها.

يشار إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي أزال "حارة المغاربة المقدسية" ليلة السبت، 10 يونيو/ حزيران 1967، وبعد عمليات هدم استمرَّت 4 أيام متواصلة، كانت النتيجة تسوية الحارة التي تبلغ مساحتها 116 دونمًا بالأرض. 

وتضمَّن المعرض أيضًا مجسمات لكل من: باب العمود، والجامع القِبْلي، وقبة الصخرة، كنيسة القيامة، وسوق الكاردو، وسبيل قايتباي، والمدرسة الأشرفية، والمدرسة العُمرية، والصلاحية، و"حائط البراق"، وسوق القطانين.

توثيق تكنولوجي

وأطلق الفنان المقدسي الرازم "64 عامًا" اسم "حجرلوجيا" على مشروعه الفني الذي أنجزه بهدف الحفاظ على التراث الثقافي والديني للمدينة المقدسة، إذ صمم 11 مجسمًا على مدار 11 شهرًا.

وقد افتتح الرازم معرضه في (21 كانون الأول/ديسمبر) الماضي وسيستمر حتى (15 كانون الثاني/يناير) من عام 2023م، وهو برعاية مؤسسة برج القلق المقدسية.

والرازم فنان مقدسي، يعمل مُدرّسًا للتّربية الفنّية والخطّ العربي في المدينة المحتلة، وقد نظّمَ العديد من المعارض الفنية المحلية والدولية، وحَصَد عشرات الجوائز، منها جائزة أفضل فنان جسّد القدس في أعماله الفنية الممنوحة له من (ملتقى المُثقّفين المقدسي).

يقول الرازم لـ"فلسطين": "المعرض مشروعٌ للتوثيق المعماري باستخدام التكنولوجيا الحديثة للمحافظة على الموروث الثقافي والمعماري للبلدة القديمة من القدس".

ويضيف: " بنيتُ 11 مجسمًا من مادة "بي بي سي" البلاستيكية وأضفت الألوان الزيتية إليها، وهذه المادة تتحمل تقلبات الطقس من حرارة، وبرودة، إذ تحافظ على شكلها لسنوات طويلة".

ولدى سؤاله عن تركيزه عن أسباب اختياره لتلك المعالم بالذات، عزا الرازم ذلك: "لأهميتها الدينية والثقافية لدى مختلف الفئات والسياح والزوار؛ فمثلًا قبة الصخرة معلم ديني إسلامي للعالم أجمع، وكنيسة القيامة معلم تاريخي وديني يأتي إليه المسيحيون من مختلف أنحاء العالم، أما باب العمود فهو المدخل الرئيس لجميع الزوّار القادمين للمدينة وكان له دور كبير في حماية الأقصى من الغزوات الصليبية".

ويردف: "كما حرصتُ على بناء مجسم حائط البراق الذي كان من ضمن حي المغاربة سابقًا، بما يُظهر كيفية إزالة الاحتلال للحي في أثناء "نكسة عام 67م" وتحويله إلى ساحة للصلوات التلمودية، أردتُ تبيان قدسية المكان تاريخيًّا بالنسبة للمسلمين ".

وعن سبب تسمية المعرض بـ"حجرلوجيا" -كما يشرح الرازم- فإن حجر تعني الحجر المعماري الذي كانت تُبنى به تلك الأماكن التاريخية القديمة، أما "لوجيا" فهي مشتقة من تكنولوجيا إذ عُرِضت المجسمات والتعريف بها بطريقة تكنولوجية متقدمة.

محاولات الطمس والإخفاء

وينبه إلى أن مؤسسة "النيزك" صنعت روبوتًا يسير بين المجسمات في المعرض ويشرح معلومات تاريخية عن كل مجسم على حدة (كُتِبت ونُقِّحت من قبل الدكتور يوسف النتشة، المختص في تاريخ وعمارة القدس).

ويشير الرازم أن استخدام الروبوت الذي يلبس الزي الفلسطيني التقليدي للرجال في المعرض، كان لزيادة التفاعل مع الزوار ولا سيما طلاب وطالبات المدارس.

وفكرة المعرض ليست حديثة، إذْ كان من المفترض أنْ ينفذ في القدس المحتلة في عام 2018م، ولكن بسبب جائحة كورونا أُجِّل، وارتأى أن يُنقَل إلى محافظات أخرى في الضفة الغربية، وذلك بهدف نقل القدس إلى الفلسطينيين المحرومين من زيارتها بسبب الحواجز الإسرائيلية، وجدار الفصل العنصري، وفق الرازم.

ويؤكد الرازم أن المعارض الثقافية والفنية ذات أهمية كبيرة لأنها تُظهر المعالم التاريخية التي تتعرض لتغيير، والطمس، وإخفاء طبيعتها الحضارية، والتراث المعماري للقدس بشكل شبه يومي، من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ويتطلع الرازم إلى تطوير مشروع المعرض من خلال نقل المجسمات إلى مدينة أريحا ووضعها بجوار الأماكن التاريخية فيها، ليُطوره لاحقًا لإنشاء مدينة مصغرة لمدينة القدس بأسوارها، وأحيائها، وشوارعها، ومعالمها التاريخية، والدينية في المدينة.

ويدعو السلطة الفلسطينية ووزارة الثقافة بتبني مشروع المعرض، ليُنقل إلى بقية المدن والقرى الفلسطينية، والمحافظة على استمراريته.