يغادر يائير لبيد رئاسة حكومة الاحتلال بلسان خائف يهدد فيه من سمَّاهم أعداء (إسرائيل). التهديد بلغة من يملك القوة لتدمير الآخرين لم تعد مفيدة لمن يجلس في المعارضة، فالقرار ليس له، بل لغيره، ومحاولة الحفاظ على حجم كبير في أثناء المغادرة لعبة مكشوفة على مستوى الداخل والخارج.
لبيد المغادر منصبه يهدد قائلًا: "يحتاج أعداؤنا إلى معرفة أننا لن نقف مكتوفي الأيدي أمام التهديدات التي نراها وجودية.. لن توافق أي حكومة إسرائيلية على أن تصبح إيران نووية، وإذا كان من الضروري العمل فسنتحرك، ولن نتردد في استخدام القوة للحفاظ على سلامة مواطنينا، يجب أن يعلم أعداؤنا أننا لن نتردد في إطلاق مروحيات وطائرات وطياري سلاح الجو لحماية (إسرائيل) من التهديدات القريبة والبعيدة".
لو كانت هذه التهديدات صادرة عن نتنياهو الرئيس الحالي لحكومة (إسرائيل) لكانت ذات مغزى، ولكنها تصدر عن راحل بخسارة عن الحكومة، وليس له بعد يوم الأربعاء قرار ولا شراكة في أي قرار، ولو صمت وسكت وترك ذلك لبِن غفير ونتنياهو لكان أبلغ، ولشعوره بالضعف عند تصريحه قال: "ناقشت ذلك مع نتنياهو، وهذا الأمر من القليل الذي تجمع عليه حكومات (إسرائيل)".
اقرأ أيضًا: هل يشعل المتطرفون اليهود المنطقة؟
يستفاد من تصريح لبيد أنه وقادة (إسرائيل) يشعرون أن وجود الدولة في خطر، وهذا صحيح، ولكنه ليس خطر النووي الإيراني كما يزعمون، ولا أعتقد أن ثَم دولة في الشرق الأوسط تهدد (إسرائيل) وجوديًّا، ولكن الخطر الحقيقي على الوجود يكمن في داخل المجتمع الصهيوني، الذي يتشظى من داخله، بفعل الفساد والعنصرية، وصراع العلمانية والدينية، وبفعل احتلال الأراضي الفلسطينية، وسرقتها بالاستيطان، في مخالفة فجة للشرعية الدولية ولجميع القوانين والاعتبارات الإنسانية.
تهديدات لبيد، وقوة جيش لبيد، لم تُختبر في حروب حقيقية، وأحسب أنها حين تختبر، ولنفرض مع إيران، فقد تكشف صورة أدنى من الصورة التي كشفتها أوكرانيا عن قوة روسيا. نعم (إسرائيل) قوية عسكريًّا واقتصاديًّا وتتلقى دعمًا خارجيًّا، ولكنها في الوقت نفسه، ليس لديها الجيش الذي يرغب في القتال الخارجي، وليست لديها مساحة جغرافية واسعة لتتحمل معارك خارجية. معارك وصواريخ وطائرات ومُسيرات، والضعف البشري، والضعف الجغرافي، وهما أمران لا أظن أن بإمكان لبيد أن يقفز عنهما، وهما أمران يجعلان تهديداته بلا قيمة، وبلا مغزى، فـ(إسرائيل) لا تملك أن تخوض حربًا حديثة مع غيرها دون شراكة أمريكية، وحاخامات التوراة يدقون جرس زوال (إسرائيل) بحسبتهم في العقد الحالي.