فلسطين أون لاين

حال سوق الأضاحي بغزة.. لا عيدَ للحم هذه المرة

...
دير البلح - رنا الشرافي

أيام قليلة تفصلنا عن يوم النحر الأكبر، يوم عيد الأضحى المبارك، الذي يمر بقطاع غزة هذه المرة مثقلاً بالهموم والالتزامات المادية، ما بين أضحية، وعيدية، وكسوة للعيد وأخرى للعام الدراسي الجديد، وكل ذلك يدق أبواب جيوب خاوية وأرصدة رواتب ما بقي فيها بعد الاستقطاع بالكاد يكفي الزاد.

جملة من الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة على موظفي قطاع غزة العموميين، ما بين خصومات من الرواتب بنسب متفاوتة، وما بين تقاعد مبكر، ناهيك عن تقليصات تزويد القطاع بالكهرباء وتخفيض أسعار السولار وغيرها من الإجراءات التي انعكست سلباً على حياة الغزيين وكأنهم ليسوا جزءاً من هذا الوطن.

في "سوق الحلال" بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، غلب بياض الأرض على سوادها، كتل من الصوف والشعر متناثرة في أرجاء المكان، وبينهم بعض التجار والمتفرجين أما الزبائن فبالكاد شاهدنا داخل السوق واحدا.

نعم.. هو زبون واحد فقط – حتى لحظة مغادرتنا- داخل هذا السوق الذي احتوى على عشرات رؤوس الحلال ما بين خرفان وأغنام جلبها أصحابها على أمل ألا يعودوا بها، وأن تذهب لصاحب جديد، ولكن هيهات.

انخفاض الثلث

"تاجر ومش قادر أضحي"، باغتنا بعبارته هذه، إياد النجار – وهو أحد تجار المواشي الذين تواجدوا في السوق- شارحاً لفريق "فلسطين" الذي تجول في أرجاء السوق، أن أسعار الأضاحي لهذا العام قد انخفضت بشكل كبير، فالأضحية التي كان سعرها العام الماضي 300 دينار هي اليوم بـ200 دينار ولربما يصل سعرها إلى 170 دينارا وأيضاً لا يوجد مشترون.

وتابع:" حتى وإن أردت الأضحية هذا العام، أين أضع حصتي منها، في ظل انقطاع التيار الكهربائي المتواصل 18 ساعة حتى أننا لم نعد نضع الخضار في الثلاجة فكيف سنضع اللحوم فيها".

وقَفَت بجوار التاجر النجار الحاجة "أم محمد" والتي حضرت إلى السوق لهدف آخر، وهو شراء الأعلاف، في البداية رفضت الحديث معنا، وما إن اشتد نقاشها مع ذلك التاجر حينها أفضت لنا بمرارة :"الناس حالها تعبان والرواتب هدّتهم، ما معهم مصاري للأضحية".

وعن سبب حضورها إلى السوق تقول: "جئت ابتاع العَلف لأغنامي، فأسعار الأضاحي انخفضت وبيعها الآن سيسبب لي خسارة كبيرة لا استطيع احتمالها؛ وسأواصل تربية مواشيّ حتى يتحسن حال أسعار الأضاحي".

وأضافت:" هذا العام لن أضحي، لأنني لن أبيع من المواشي ما يعينني على قوت يومي فكيف أضحي"، متسائلة :" أين هي الكهرباء حتى أضحي، طبق الطبيخ العادي يفسد في الثلاجة في اليوم التالي فما بالك باللحوم النيئة".

النجار و"أم محمد"، مربيان للمواشي تعذر عليها تقديم الأضاحي هذا العام بسبب ركود السوق من جهة وأزمة الكهرباء التي يعيشها قطاع غزة من جهة أخرى، وبــ "حسبة بسيطة" فإن غياب هاتين الأضحيتين حرمتا نحو 120 عائلة فقيرة من تناول اللحوم الحمراء في هذا العيد.

"نربيها شهرين"

جولتنا في السوق ما زالت مستمرة، والوجوه ذاتها لا تتغير، فهذا "أبو عمر" القهوجي تاجر أضاحٍ في العقد الخامس من العمر، صف أغنامه ووقف يتوسطها، علّ باحثا عن أضحية يتعثر بما لديه "فيستفتح".

عن حاله يقول:" في السنوات الماضية كنا نشتري الأضاحي قبل العيد بشهرين حتى يكون ثمنها أقل ، فيصل تقريباً إلى 140 دينارا للأضحية، ونربيها حتى يأتي موعد النحر، أما اليوم فهي تستوفي نموها عند صاحبها وسعرها 140 دينارا ولا تجد من يشتريها".

وأكد لـ"فلسطين" أنه سيضحي هذا العام، ولكن هذه المرة لن يحتفظ بشيء منها، قائلاً:" فقط غداء يوم العيد والباقي سوف أوزعه لله؛ الكهرباء حرمتنا من أشياء كثيرة وكذلك استقطاعات الرواتب".

استيراد الأرخص

جولتنا في السوق كشفت عن أسباب أخرى لركود سوق المواشي، وهو ما تحدث عنه "أبو مصطفى" أبو منديل، وهو أيضاً من تجار المواشي الذين حضروا إلى السوق في الصباح الباكر، موضحاً لـ"فلسطين" أن ما يتم استيراده من مصر والسودان والصومال، من مواش تُباع بأسعار منخفضة لا يستطيع التاجر الفلسطيني منافستها بسبب ارتفاع تكلفة التربية وخاصة ارتفاع أسعار الأعلاف.

وشرح لنا أنه بسبب هذا الاستيراد انخفضت أسعار المواشي بنسبة الثلث تقريباً، ومع ذلك يوجد عزوف من المواطنين عن شرائها بسبب أزمة الرواتب وأزمة الكهرباء، والتي جعلت أبو منديل يتردد في تقديم أضحيته لهذا العام، قائلاً:" إذا في مصاري بضحي".

"بالخسارة.."

مربي المواشي عواد أبو عمرة بدا متردداً في الحديث مع "فلسطين"، معرباً عن أسفه إزاء الخسارة التي صارت تعود عليه بالخسارة لا سيما خلال الشهور الثلاثة الأخيرة.

وقال: "حال السوق "ميت" كما يقال؛ فلا يوجد من يشتري الأضاحي هذا العام رغم انخفاض الأسعار بشكلٍ كبير، إلا أن أزمات الرواتب والكهرباء انعكست سلباً علينا كما أن استيراد المواشي رخيصة الثمن زادت الطين بلة".

بجواره كانت تقف أيضاً امرأة تربي المواشي قالت:" ما في ثلاجات ولا رواتب.."، في إشارة منها إلى أزمة الكهرباء التي يعيش قطاع غزة حالياً أسوأ أحوالها، وكذلك استقطاعات الرواتب بسبب اجراءات السلطة العقابية للموظفين.

غادرنا السوق، ومعنا غادرت آمال التجار بأن يمر في هذا المكان زبائن، فعشرات الأشخاص مروا من هنا أثناء تواجدنا في المكان، بعضهم "تفرج" والآخر اكتفى بالمرور دون أن يلتفت وكأن النظرة أصبح لها ثمن.

في الوقت الذي تزداد فيه عدد العائلات الفقيرة في قطاع غزة التي تعتمد على مساعدات وزارة الشؤون الاجتماعية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" والجمعيات والمؤسسات الخيرية، هم على أهبة الاستعداد أن حال هذا العيد لن يكون ككل عام؛ فلن تصلهم لحوم حمراء بوفرة الأعوام السابقة.