فلسطين أون لاين

تقرير "الطفل الانطوائي".. حالة مرضية يحلها وعي الأهل وتفهمهم

...
صورة أرشيفية
غزة / فاطمة الزهراء العويني:

يساور الأهل القلق الشديد عندما يلاحظون أن ابنهم لا ينخرط في محيطه الاجتماعي، ولا يتفاعل مع الآخرين، فيتساءلون: هل الأمر حالة مرضية أم حالة طارئة؟ وكيف يمكنهم علاجها؟ فـ"الانطوائية" قد تصيب الأطفال من سن مبكرة وتجعلهم منعزلين، وهي تختلف كليًّا عن الخجل، فكيف يمكن التفريق بينهما؟ ومحاصرة الأمر في مهده؟

المواطنة نشوى رزق لاحظت مبكرًا أن طفلها الذي يبلغ من العمر خمس سنوات انطوائي و جدي جدًا في التعامل، وخجول، وعنيد، وانتقائي، في علاقاته مع الناس، فيتعاطى مع البعض بينما لا يتفاعل نهائيًّا مع البعض الآخر.

ولذلك قررت رزق أنْ تسجله في الروضة لهذا العام، تقول: "الحمد لله بعد شهر من وجوده في  الروضة بدأ يتجاوب نوعًا ما مع الناس، فقد تفاهمتُ مع معلمته بالروضة، وهي ساعدتني على دمجه مع أقرانه".

وتشير إلى أن ابنها بدأ يتجاوب مع المحيطين به في الروضة، فمساحة التفاعل في الروضة كبيرة كما أن معلمته تتعمد تكليفه بنشاطات يومية؛ كالذهاب لغرفة المعلمات أو مساعدة زملائه"، في حين أنا أصحبه معي في أي مشاوير أو زيارات اجتماعية لأحقق التكامل بين دوري ودور الروضة".

عزلة عن المحيط

ولكن ذلك الحال لم يكن مشابهًا لدى والدة الطفل "علاء" الذي بلغ  الثالثة عشرة من عمره وهو ما زال انطوائيًّا ولا يتفاعل مع الأقران بل يفضل البقاء في غرفته حتى لو كان هناك ضيوف في المنزل.

تقول والدته: "أعاني كثيرًا من حبه للعزلة وعدم مشاركته لنا ولزملائه في المدرسة أي أنشطة اجتماعية، نحاول الآن تغيير هذا الحال ولكن الأمور ليست سهلة أبدًا".

المرشدة التربوية سماح أبو زينة تبين أن لكل إنسان درجة معينة من الانطوائية والميل للعزلة، ولكن ضمن الحدود الطبيعية التي لا تعيق التواصل الاجتماعي.

وتشير إلى أنه يمكن تصنيف أي شخص انطوائيًّا عندما  يركز على أفكاره الداخلية والتمركز حول الذات ومحدودية الاختلاط بالآخرين، "فالانطوائية سمة من سمات الشخصية يركز بها الإنسان في عالمه الداخلي بعيدًا عن المشاركة الاجتماعية نتيجة طاقته النفسية المتجهة نحو الداخل".

ونبهت إلى أن  البعض يعتقد أن الخجل والانطواء شيء واحد، غير أن الانطوائية لا تعني بالضرورة الخجل، فالخجل هو عاطفة أكثر من كونه سمة شخصية، أما الانطواء فهو طراز من المزاج أو الشخصية تتميز بها الشخصية بحصر اهتمامها في عالمها الداخلي أكثر من العالم الخارجي.

والانطوائية –وفق أبو زينة- طيف واسع ولها درجات وتصنيفات عديدة، فهناك الانطوائي الاجتماعي وهو نوع من الانطواء يخشى فيه الإنسان التجمعات الكبيرة ويفضل التجمعات الصغيرة، وهناك الانطوائي المفكر وهو يركز على الخيال والتفكير الإبداعي.

وأضافت: "وهناك الانطوائي المقيد وهو الذي يخشى ولا يرحب بالعلاقات الجديدة بسهولة، وهناك الانطوائي القلق من البقاء وحيدًا و من التجمعات".

ومضت بالقول: "قد يعتقد البعض أن الانطواء انسحاب اجتماعي ولكنه في حقيقة الأمر آلية دفاعية لحماية أنفسهم من القلق والتوتر الناشئ عن التواصل الاجتماعي والذي قد يكون بسبب  طريقة التنشئة الاجتماعية للأسرة التي قد يكون نمط تفاعلها محدودًا ومغلقًا".

ونبهت أبو زينة إلى أن من أهم مسببات الانطوائية المناخ النفسي للعائلة القائم على الشك وعدم الثقة والاحترام والقسوة كأسلوب تربوي يحرم فيها الطفل من فرص التكيف والنمو الطبيعية لمواجهة الحياة والاعتماد على الذات، و التعرض لصدمات عاطفية أو التعرض لإجهاد ما بعد الصدمة.

بدورها، بينت طبيبة الصحة النفسية أماني أهل أن الانطوائية هي سلوك مكتسب من البيئة المحيطة بالطفل (الأسرة، المدرسة، الجيران، الحي) وهي تختلف تمامًا عن الخجل الذي لا يُعد اضطرابًا سلوكيًّا.

وقالت: "يمكن تشخيص إصابة الطفل بالانطوائية من عدمها بعد سن الخامسة من العمر فأي مشكلة قبل هذا العمر قد تكون طارئة، ومن أهم الأعراض التي تستدعي الملاحظة أن يكون الطفل له عالمه الداخلي وبعيدًا عن الانخراط مع الآخرين".

ومن الأعراض المقلقة أيضًا –وفق أهل-  فقدان الطفل  للحماسة والشغف في اللعب مع الأقران وكونه معتمدًا على غيره في الأشياء الأساسية في حياته كالدراسة وانتقاء الملابس، كما يكون حساسًا لأبعد الحدود وانفعالاته مفرطة.

ويشكو الانطوائي –كما تشرح أهل- من عدم القدرة على تكوين أصدقاء أو الاندماج في الألعاب الجماعية بل يفضل الأنشطة الفردية كالقراءة والرسم كما يلتزم الصمت تجاه أي ألفاظ سلبية توجه له لاعتقاده أنها موجودة فيه.

 ويبدأ العلاج ببحث الأهل عن الأسباب التي أوصلت طفلهم إلى هذه الحالة، والتي قد تكون العنف في التربية والحرمان من الأشياء الأساسية أو الخوف الشديد أو التوبيخ المستمر، تقول أهل:" متى عرفوا السبب فيمكن معالجته سواء بتعزيز الحب والحنان والعطف واحتواء الطفل وتمكينه من التعبير عن رأيه".

وأكد ضرورة منحه الفرصة للتعبير عن نفسه وفتح المجال واسعًا للنقاشات الأسرية واتباع طريقة التربية بالحب، "فإنْ لم تُحل المشكلة يمكن اللجوء لمساعدة مختص نفسي يرشدهم لنظام تعامل متوافق مع حالة ابنهم".