في يومٍ ما دخل كلب إلى متحف مليء بالمرايا، جدرانه وأسقفه وأبوابه وأرضيّته كلّها من المرايا، بسبب انعكاساته، أصيب الكلب بصدمة كبيرة، فقد رأى أمامه فجأة قطيعًا كاملًا من الكلاب تحيط به من كلّ مكان، كشّر الكلب عن أنيابه وبدأ بالنباح، فردّت عليه الكلاب الأخرى التي هي انعكاسًا له بالمثل، فنبح من جديد، وراح يقفز محاولًا إخافة الكلاب المحيطة به، في صباح اليوم التالي، عثر حارس المتحف على الكلب البائس ميتًا، مُحاطًا بمئات الانعكاسات لكلبٍ ميت مثله، لم يؤذِ أي أحد الكلب، لكنه قتل نفسه بنفسه بسبب العراك مع انعكاساته!
إذًا هي "إسرائيل" التي ستقضي على نفسها بنفسها، نتنياهو الذي نبح طويلًا في يومٍ ما ضد المتطرفين، ثم أصبحوا اليوم شركاءه الفاعلين في رسم السياسة الإسرائيلية، والعاملين على تنفيذها مستقبلاً، متجاهلاً كل الأخطار التي قد تنعكس على مصير كيانه الممتلئ أصلاً بالأزمات السياسية، للتذكير فإن قادة المتطرفين كانوا فيما سبق سادة العربدة على القانون والتمرّد عليه، هنا تساءلت صحيفة يديعوت أحرونوت: كيف سيتعامل القسم اليهودي في الشاباك مع هذه الحكومة؟ حكومة تتشكل وتخلق معها تحديات جديدة، أبرزها كيفية إحباط الإرهاب اليهودي، الوضع مقلق بالنسبة للشاباك، لأنه سيواجه حزبًا سياسيًّا متطرفًا بقيادة بن غفير، الذي كان قبل سنوات حزبًا تخريبيًّا، والآن أصبح حزب ذات سلطة سياسية، أمّا عن عنف المستوطنين في الضفة الغربية، فسينال دعم المتطرف "سموتريتش"، ليتفاقم الصراع مع الفلسطينيين لاحقًا.
تساؤل آخر عن مدى شرعيّة وفعاليّة الشباك، والذي سيكون المسؤول المباشر عنه رئيس الوزراء، السؤال كيف سيحمي نتنياهو الشاباك، في ظل مطالب تحثه على إغلاق القسم اليهودي في الشاباك، وإلغاء أوامر الاعتقال الإداري للمستوطنين، إن حكومة يحضر فيها بن غفير وسموتريتش، ستخلق انشقاقًا محتملًا مع بقية أطراف السياسية، وستختلط الأوراق ببعضها داخل المؤسسات الرسميّة.
لا شك أن التناقضات بين مكونات الائتلاف الحكومي ستظهر ملامحها مع اكتمال المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث ألمح وزير الدفاع غانتس لصحيفة "إسرائيل اليوم": نحن نواجه خطرا من أن يتحول جيش الدفاع، إلى جيش من المرتزقة يشكل تهديدا أمنيا استراتيجيا، فمنذ قيام الدولة، كان الجيش هو الداعم لها، لكن لسوء الحظ، "أبواب التجنيد باتت فارغة، لا إقبال عليها"، إن التجنيد مبني على القيم وليس على القوانين، ويجب الحث على الخدمة في الجيش، وإذا لم ننجح، قد يصبح الأمر قنبلة أمنيّة واجتماعية على إسرائيل.
على صعيد آخر، فإن مسألة تجزئة المسؤوليات بين الوزراء والمسؤولين، ستخلق ازدحاما عند المدعي العام، وسيطلب حينها من المستشار القانوني البت في حل النزاعات بين السلطات، وقد تشتعل معارك الاستيلاء والهيمنة، بين أروقة المؤسسات الحكومية والتشريعية، ليبرمان وزير المالية المنتهية ولايته تحدث لصحيفة معاريف: "وفي إشارة إلى سلوك نتنياهو في المفاوضات الائتلافية، فإن نتنياهو لن يتردد في حرق النادي، من اجل نجاته من المحاكمة، اني أخشى على مستقبل الدولة، من أن تتحول إلى دولة شريعة تخضع للحاخامات، الوعود التي قدمت للائتلاف ستزيد العجز في الدولة وسترفع الضرائب، يمكننا توقع حدوث تسونامي، اقتصادي وسياسي ودبلوماسي"، ويضيف ليبرمان: "ان نتنياهو يحتقر بن غفير وسموتريتش، لكن بعد الانتهاء من تمرير كل التشريعات، سيترك هذين المهرجين، وان الائتلاف الذي يتم تشكيله لن يدوم طويلا، وما قاله سموتريتش عن نتنياهو، إنه (كاذب، ابن كاذب)، فهو صحيح".
بالفعل ستشهد الساحة الإسرائيلية انشقاقات جديدة، ولعلّها بدأت قبل بدء عمل الحكومة التي تتشكل، لقد نجح نتنياهو في حشد أحزاب معسكره في قائمة انتخابية واحدة، واستطاع خلق الخلاف في صفوف المناوئين له قاصداً يائير لبيد، نعم لبيد الذي رفض طلب أعضاء ائتلافه الحكومي عشية حل الكنيست، ليتم تعديل قانون الحسم وتخفيضه من 3.25 في المئة إلى 2 في المئة لضمان نجاح الأحزاب المناوئة لنتنياهو، فأصبح لبيد في موقف لا يحسد عليه، أدّى الى خسارة حزب العمل، وعجز حزب ميرتس تخطي عتبة الحسم.
من جهة أخرى، اعتبر التراجع الكبير لحزب (يمينا) في الانتخابات، سببه خلافات شخصية، بين نفتالي بينت ونتنياهو، الذي أدّى إلى صعود الصهيونية الدينية والقوة اليهودية على حسابه، يجب ألا نغفل، عن أن اندثار اليسار الصهيوني عن الخريطة الحزبية الإسرائيلية، والذي ساهم في تأسيس إسرائيل في بدايتها، منح القوّة لصعود اليمين بشقيه "العلماني والديني".
إضافة الى منهجية الأغلبية المتمثّلة ب 61 نائبًا، والتي تسمح بتغير بعض القوانين، فلن يكون صعبًا على حكومة نتنياهو المرتقبة سنّ قوانين تخدم مصالحها الخاصة، والتي سكون على رأسها "قانون التغلب" الذي يمنح الكنيست قدرة لكبح جماح المحكمة العليا، وتقييد صلاحيّتها، إضافة إلى قانون "تعيين قضاة المحكمة العليا"، الذي يمنح الحكومة صلاحيات واسعة في تعيين القضاة، والتقنين من تأثير المستشار القضائي للحكومة.
في الختام، قيل إذا تمكن الديكتاتور من تولي السلطة، فإنه يعطي نموذجًا للآخرين ليحذو حذوه، مما يزيد من احتمال تلقيه طعنة في الظهر، وغالبًا سيتعاملون بالقسوة وانعدام الرحمة ذاتها، ليتمكنوا من الإمساك بزمام الأمور.
ما تشهده إسرائيل اليوم، ستكون المعركة ما قبل الأخيرة، التي عنوانها (مزيداً من الشركاء في السياسية، مقابل مزيداً من انشقاقات قد تقضي على ما تبقى من تماسك إسرائيلي داخلي، لتكن بداية النهاية من داخل الكيان إلى خارجه.